مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
الآباء والأمهات الذين يحولون أبناءهم لمشاريع فرجة على وسائل التواصل لا يقومون بعمل عظيم يستحقون عليه التشجيع أبداً، ولا أدري سبب إقبال الناس على حسابات الأطفال الذين يجهزهم أهلهم من عمر الأربع سنوات لينضموا إلى جموع مشاهير السوشال ميديا، فمعظم هذه الحسابات تشكل اختراقاً لحقوق الطفل، وانتهاكاً لعالم ونفسية الطفولة.
يظهر العديد من الأطفال في هذه الحسابات متحدثين بارعين بل ومثيرين للدهشة، وهو ما يطرح علامات استفهام كبيرة حول العلاقة بين عمر الطفل والقدرات أو ملكات التفكير التي يفترض أن تكون لديه، إضافة لقدراته في الربط والاستنتاج ومهارات النطق والتعامل مع المواقف والأسئلة و… فكيف لطفل في الرابعة أن يتحدث بهذه الطريقة التي توحي لنا بأننا أمام روائي بارع أو محاضر متمرس؟ لندع جانباً تفسير أنه عبقري!
الأمر الآخر يتعلق بإدخاله إلى عوالم الكبار، التحدث معه عن أمور ليست في متناول عمره كالمكياج، والملابس، والماركات والفنادق ودرجات السفر الفخمة.. لكن لماذا؟ ألا نفكر بغيرنا؟ ألا ندفع هؤلاء الصغار دفعاً للأنانية والفردية وحب المظاهر والتباهي أمام أقرانهم؟ ثم تلك الحوارات المستفزة حول المدرسة والمدرسين، ودفع الطفل للتلفظ بعبارات تنم عن سخرية وتهكم واضحين ابتزازاً لضحك المتابعين لا أكثر! ماذا عن تأثير ذلك على علاقة الطفل بمدرسته ومعلميه خارج الانستغرام واليوتيوب وبمنظومة القيم عامة؟؟
حديث بعض الأمهات في مقاطع فيديو يسجلنها وينشرنها تعبيراً عن احتجاجهن على الإدارات المدرسية أو المعلمات والتعليم والمناهج وأمام أطفالهن وبشكل غاية في السوء والإهانة ما الهدف منه؟ وأي نموذج أو قدوة يقدمنها لأطفالهن؟ وماذا تنتظر أم أو أب من أطفال يتم تنشئتهم على عدم احترام معلميهم ومدارسهم؟
إن القيم التي يتم ضربها عمداً وعلى الملأ، تتقلص ومن ثم تموت في نفوس الناس، والأسر التي تضرب قيم التربية في نفوس أبنائها إنما تعجل في خلق أسر ومجتمعات معدومة القيم وهذا أمر لو يعلمون فيه هلاك الجميع!
المصدر:البيان