«ما إن ينتصف شهر أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام، حتى أحزم حقائبي برفقة أصدقائي ونستقل سيارتنا المجهزة للرحلات البرية للتوجه إلى صحاري شمال وغرب السعودية في مغامرة استثمارية تدر مئات الآلاف من الريالات وتستمر مدتها نحو شهر كامل»، قال رعد الميزاني الذي احترف صيد الصقور منذ ما يزيد على 10 سنوات.
ويعتمد الصيد على المهارة والحس في تحديد أماكن مرور الصقور القادمة من خارج القارة، إضافة إلى حب الصقور. وبعد عودتهم من الرحلة يحضر الزبائن للشراء وهم من كبار أغنياء الخليج، الذين يزدحم عند بواباتهم سنويا هواة الصيد لعرض ما يمتلكون.
رحلته الماراثونية السنوية التي تنطلق من منطقة القصيم نحو أطراف المملكة، يقطع مع أصدقائه خلالها مئات الكيلومترات بحثا عن الصقور المهاجرة التي وصفها بالجوهرة التي تطير بجناحين.
وأردف الميزاني القول، إن رحلة صيد الصقور تحفها مخاطر كثيرة لا حصر لها أهمها ابتعادهم عن الحياة المنعمة واعتمادهم أساليب بدائية للعيش وهي متعبة إلى حد كبير، يتضح أثرها نهاية الرحلة من اسوداد في اللون ونحالة في الجسم وكثافة في الشعر، إلا أن عوائدها المالية المجزية تغني عن ألف وظيفة وتنسيهم ما لحق بهم. ووصف هذه المهنة بالمتعبة التي تجذب عددا لا بأس به. الهواة ليسوا فقط من المملكة بل يتجاوزونها إلى دول الخليج الذين يشد بعضهم الرحال ويقطعون آلاف الكيلومترات لممارستها.
وحول الحصيلة السنوية للصيد، أشار رعد إلى أنها تختلف من سنة لأخرى إلا أنها لا تتجاوز الـ5 طيور بأنواعها المختلفة.
وطريقة تقسيم الأموال تتسم بالتساوي بعد بيع الطيور، وذلك باتفاق الجميع على السعر المعروض، موضحا أن أغلى طير باعوه هو من نوع الحر الذي وصل إلى 280 ألف ريال (70 ألف دولار تقريبا) قبل 3 سنوات.
وأكد عبد الله بن منيس شيخ سوق الصقور بالرياض، بأن موسم صيد الصقور يبدأ بعد الأيام العشر الأول من شهر أكتوبر وينتهي مطلع العام الميلادي الجديد، وهي الفترة التي تهاجر فيها الطيور بشكل سنوي من بلادها وتمر في هذه الفترة على أراضي شمال وغرب المملكة وبالتحديد في صحاري الحماد في الشمال وعلى طول الساحل الغربي، لافتا إلى أن هناك أنواعا مختلفة من الصقور ما بين الثمين والرخيص. ويقول إن الصياد المحظوظ هو الذي يستطيع القبض على طير ثمين، موضحا أن هناك أناسا مشهورين في السوق بمهارتهم في الصيد يتعاملون مع كبار التجار لبيع ما يمتلكون وتدر عليهم المهنة آلاف الريالات بشكل موسمي.
وحول طريقة صيد الصقر، أشار بن منيس إلى أن أهم الطرق المشهورة هي وضع أفخاخ مشبكة للصقور يغرونها فيها بوضع طير السمان والحمام والقماري، وما إن يرى الصقر في الجو هذه الطيور حتى ينزل مسرعا لالتهامها ومن ثم يقع في المصيدة. كما أن هناك طريقة أخرى وهي إرسال طيور جذابة لإغراء الطير لتنزل برفقتها بعض الطيور الجارحة، وهذه الطريقة تعتمد على احترافية الصقار وجودة طيره الذي يستطيع إغواء الطيور من السماء للمصيدة، موضحا أن أهم خطوة في الصيد هي اختيار المكان المناسب لوضع الفخ والصبر حتى يقع الطير فيها، وهذا هو المعيار الذي يبين ذكاء الصقار واحترافيته من عدمها.
من جهته كشف جمل بن لبده الذي يشتهر بكونه أحد أعمده سوق الصقور في المملكة، بأن سوق الصقور متشعبة إلى حد ما وتحتاج إلى دراية كبيرة بالأنواع والأسعار، مبينا أن أغلى الأسعار هي للنوع الحر الذي يتراوح سعره ما بين 220 ألف ريال و400 ألف ريال، وتختلف أسعاره بحسب جمال شكله ولونه، لافتا إلى أن اللون الأبيض والأشهل هو الأكثر طلبا وأعلى قيمة، خصوصا إذا كان لون رأس الطير أبيض، ويأتي في المرتبة التالية الشاهين الذي يتراوح سعره ما بين 70 ألفا و250 ألف ريال، أما الأرخص سعرا فهو الوكري الذي لا يتجاوز سعره الـ5 آلاف ريال وهو الأقل طلبا.
وعن طريقة تسعير الصقور ذات النوع وتأثير العمر في ذلك، أشار بن لبده إلى أن عمر الصقر لا يتجاوز الـ20 عام، وأن الأغلى سعرا هو الفرخ وحتى يصل سن الرابعة، ويبدأ بعدها سعره بالانخفاض كلما كبرت سنه خصوصا في سنوات اليأس من 15سنة وأكثر، موضحا أنه قبيل فصل الشتاء تشهد سوق الصقور حركة غير اعتيادية لقرب موسم تعليم الصقور الصيد.
وحول تأثير جنس الطير على السعر أكد بن لبده أن الأسعار لا تختلف إذا كان الطير ذكرا أو أنثى بتاتا، وأن ما يحدد السعر فقط النوع والعمر الذي يعتبر معيارا أساسيا في ذلك، معرجا أن الحر وفرخ الشاهين يهاجران بشكل سنوي من جبال روسيا ومنغوليا الذي تكتظ بأجود أنواع الطيور على مستوى العالم.
من جهته كشف معيض العامري الذي قدم من دولة الإمارات العربية المتحدة، عن أنه اعتاد وبشكل سنوي على الخروج مع أصدقائه لصيد الطيور نظرا إلى عشقه هذه الهواية دون النظر إلى مردودها المالي، حيث أكد أنه يقطع أكثر من ألفي كيلومتر، منطلقا من أبوظبي نحو صحراء الحماد التي تبعد 100 كيلومتر عن غرب مدينة عرعر في منطقة الحدود الشمالية. وعادة يقوم بذلك برفقة عدد من الصقارين الذين ينتظرون موسمها على أحر من الجمر، موضحا أن هناك تنافسا كبيرا بين الصقارين للظفر بأجود الأنواع.
وحول سبب توجهه إلى السعودية تحديدا للصيد، كشف العامري أنه يفضلها نظرا إلى توافر الصقور بكميات جيدة تتيح له الصيد، إضافة إلى الأمن والأمان الذي تحظى به البلاد، وأنه لا يعاني من أي مضايقات من قبل الصقارين المحليين بل إنه يعتبرهم زملاء مهنة وأنه أقام الكثير من العلاقات مع من يشتركون معه في الهواية، لافتا إلى أن هناك سوقا خليجية مشتركة لبيع الطيور، خصوصا أن قوانين السعودية لا تمنع صيد الصقور في مواسمها وهو من أهم الأسباب التي تدفعه والصقارين الخليجيين للتوجه إلى السعودية.
المصدر:الرياض: عبد الإله الشديد – الشرق الأوسط