كاتبة سعودية مقيمة في دبي
يبدو أن إيران التي دعت ١٠٠ دولة إلى مؤتمر عدم الانحياز كي تفضح مؤامرات الغرب، وعدم تسامحه مع نشاطها النووي لم تنجح إلا في فضح نفسها، فقد أثبتت أنها أول المنحازين حين قدمت على الهواء مباشرة فضيحة تستحق عنوان (ضائع في الترجمة)، وهو الاسم نفسه الذي يحمله عنوان فيلم أميركي، وأول شبه بينه وبين مؤتمر عدم الانحياز أنه ممل وطويل، لكن متابعته حتى النهاية أمر ضروري كي تفهمه.
القناة الإيرانيــــة الأولـــى هي القناة الوحيدة التي ظهر فيها المترجم الخائن وهـــو يترجم اسم سورية إلى البحرين، مع أن الأسماء لا تترجم عادة إلا في خطــــاب للرئيس المصري محمد مرسي، حين أعلن عن تضامنه مع الثورة السورية، ووصف النظام السوري بأنه نظام فاقد للشرعية. النظام الإيراني لم يهـــن عليــــه أن يزعــــج حليفته فجعلت لاسم سورية اسماً آخر هو البحرين، ولو كان الوفـد السوري يتابع الترجمة لما قام من مقعده كي تصح الترجمة، وإلا ما الذي سيغضبه لو كان السيد مرسي قال البحرين وليس سورية؟
بين فيلم ضائع في الترجمة ومؤتمر عدم الانحياز شبه كبير، ففيهما تبرز، ومن باب الصدفة العجيبة، حقائق جوهرية عدة يتجاهلها البشر، الأولى تقول إن العلاقة بين طرفين تكون أحياناً محكومة بالفشل، لكن واحداً منهما يصر على الاختباء وراء جدار عزلته رافضاً الاستماع والفهم، الحقيقة الثانية تقول إن طرفاً في هذه العلاقة المستحيلة يرفض حقيقة أن الفراق قد آن، وبالتالي تنتهي إلى حقيقة أخيرة تقول إنه كي يحدث الفراق قد تنتهي حياة أحد الطرفين، وهم هنا إما الرئيس أو الشعب.
إذا كان العالم كله استطاع أن يضحك على الترجمة، ويتندر على المترجم الخائن، فما هي ردة فعل الشعب الإيراني ضحية الترجمة، رغم علمنا بأن كثيراً من الإيرانيين يفهمون العربية، وبينهم من يجيد لغات القنوات الأجنبية التي نقلت المؤتمر من دون أن تضطر إلى ترجمة اسم سورية إلى البحرين؟ وما هو شعور النظام الإيراني وهو يرى أن كل جهوده لفضح مؤامرة الغرب على الدول الضعيفة لم تسفر سوى عن مسلسل تزوير الأسماء، وليس أولها تسمية المتظاهرين بالإرهابيين والمحتجين بالمؤامرات الدولية؟
إن الساعات الطويلة التي قضاها نظام إيران وسورية في شرح نظرية التآمر عليهما قد أكدت لنا أن هناك سوء فهم لغوياً، يتسبب دائماً في عدم فهم الأنظمة المستبدة للواقع، فالرئيس الليبي حين قال: «معي الملايين»، اكتشفنا أنه يقصد ملايين الدولارات وليس الشعب، والرئيس التونسي حين قال: «الآن فهمتكم، وسنباشر في إصلاحات حقيقية بعد 32 عاماً من الحكم»، لم يفهم أن الشعب قد قال له: «ارحل الآن»، والرئيس اليمني الذي قال: «فاتكم القطار»، لم يفهم أن مشكلــــة اليمن سببها وجود قطار يحملها في مشوار تعبها اليومي، وأن هناك من يستأثر بالقطار له وحده، وكذلك النظام السوري الذي قال: «الأسد أو لا أحد»، وإذ به يقصد إما حكم الأسد أو يُقضى على الشعب السوري كله عن بكرة أبيه، ويبقى هو على خرائب سورية المهدمة بعد أن يرويها بالدم.
العنوان الذي استطاعت إيران أن تترجمه بمؤامراتها اللغوية أنها أنست العرب أن إسرائيل هي العدو الأول في الشرق الأوسط، وأننا قد وفرنا خسائر حربنا وإضعافنا، فهل هذا أيضاً سوء في الترجمة؟
المصدر: جريدة الحياة