كاتب سعودي
الله يستر.. مصر بعد العراق وسوريا وليبيا واليمن تكاد أن تقترب من مرحلة المواجهات الدامية، صحيح أن مصر – حماها الله – ليس فيها ثنائية السنة والشيعة كي تتحول حفلات القتل إلى طقوس شرعية لا نهاية لها، ولكن فيها ثنائيات أخرى قد تناسب من يرتبون طابور الفوضى الخلاقة، دائما هناك أسباب وجيهة للاقتتال بين أبناء الشعب الواحد ودائما هناك قوى دولية وإقليمية من مصلحتها أن تسكب البنزين على النار، ودائما يوجد من هو مستعد للقتل كي يفرض الحقيقة التي يؤمن بها على الجميع.
ونحن حين نقول (العراق، سوريا، مصر) فإننا نتحدث عن دول كانت قوية جدا بالمقاييس الأمنية والعسكرية انتهى بها الحال إلى أنها لم تعد اليوم قادرة على تأمين شارع لا يتجاوز طوله نصف كيلو متر، لقد رحل الطغاة الذين كانوا يقمعون الشعب بالجملة وجاء الطغاة الذين يقمعون الشعب والتجزئة، ذهب الرجال الأشداء بمخابراتهم وجيوشهم وشرطتهم وحضر رجال أقوياء آخرون بمليشياتهم وشبيحتهم ومجاهديهم، لم يحارب الأولون ولا اللاحقون الأعادي بل بقيت البنادق مثلما كانت مصوبة نحو الداخل، ذهبت الدولة البوليسية ولم تأت الدولة المدنية بل حضرت دول الطوائف والقبائل والمليشيات، غابت المعتقلات وحضرت مشاريع التقسيم.
ما يحدث في العالم العربي اليوم ليس مؤامرة لأن المؤامرات تحدث في الخفاء بل هو فيما يتكشف يوما بعد آخر جزء من خطة معلنة منذ أكثر من عشر سنوات، لم يتكبد صانعو الفوضى الخلاقة عناء كبيرا، كانوا يدركون أن العالم العربي بعد عقود من الطغيان وصل فيها إلى درجة أنه إذا سقط فيها الديكتاتور انقطعت الكهرباء.. هل تتذكرون ابن القذافي حين كان يهدد الليبيين؟، كان يقول: انسوا الكهرباء، لقد كان صادقا لأن الطغاة يربطون كل مؤسسات الدولة بوجودهم وبمجرد غيابهم يختفي كل شيء: الأمن والاقتصاد وحتى ساعي البريد وشرطي المرور.
أما الشعوب العربية فقد اتضح أنها تكره مكوناتها أكثر مما تكره الطغاة الذين طحنوها، فالحقيقة التي يصعب أن تتجاوزها صفحات التاريخ أن أكثر شعوب العرب تحضرا فشلت في الحفاظ على قيم التعايش والتسامح بمجرد سقوط الطغاة، لقد كان تسامحا قسريا لمحه الأمريكان والإسرائيليون متقدا في العيون الحائرة، فلم يكن منهم إلا أن فتحوا النافذة كي تهب عواصف الكراهية.
الله يحمي مصر المحروسة من دوامة الفوضى الخلاقة، ويحقق حلم أبنائها بالدولة المدنية الديمقراطية وهو الحلم الذي أثبتت الأيام أنه لا يمكن أن يتحقق على يد الإخوان المسلمين بسياساتهم التي قادوا فيها مصر بعد الثورة ويستحيل أن يتحقق على يد العسكر، فالحل الوحيد والأكيد هو الدولة المدنية، والله يبعد مصر عن تعاطف الأمريكان، فالأمريكان الذين لم يحركوا ساكنا تجاه قصف المدنيين في سوريا هم نفسهم الأمريكان الذين يطالبون باحترام نتائج صندوق الانتخابات في مصر!.
المصدر: صحيفة عكاظ