كاتب عمود يومي في صحيفة الوطن السعودية
تقول الأرقام إن شرطة مدينة الرياض نشرت قبل الأمس 300 دورية أمنية طارئة أمام المدارس العامة في المدينة في اليوم الأول للامتحان ما قبل الأمس. وبحسبة بسيطة لعدد مدارس المملكة كاملة “ثم أخذ القياس بأرقام الرياض” وجدت أن جهازنا الأمني بحاجة إلى 6000 دورية أمن لتغطية بقية الساحات أمام مدارسنا على الخريطة. في مساء اليوم نفسه، الأحد، لم تجد السلطات الأمنية حرجاً أن تشرح السبب على شاشة “MBC”: الامتحانات هي ذروة موسم التفحيط مثلما هي أيضاً ذروة موسم العنف والمشاجرات بين المراهقين، وللكارثة أيضاً، موسم بيع الحبوب والمخدرات بين طلاب المدارس. كل الصورة برمتها تمثل إطاراً مخيفاً لهزيمة أخلاقية وانهيار أسري وبلادة اجتماعية. لماذا نضطر لإنزال ستة آلاف رجل أمن أمام مدارس تعج بربع مليون معلم؟ وأين غاب هذا الجيش الهائل من المعلمين عن التصدي لمثل هذه الظاهرة؟ وللحق المدرسة والمعلم جزء من هذه الهزيمة الأخلاقية. ولكن: نحن معهم كآباء وأسر ومجتمع شركاء في هذه الهزيمة والانهيار والبلادة.
خذوا هذه الصورة المقابلة كي يكتمل إطار المشكلة: تقول الأرقام إن 20% من طلاب الثاني المتوسط يذهبون إلى مدارسهم وهم يقودون سياراتهم الخاصة، ترتفع النسبة إلى 35% في الثالث المتوسط، وإلى أكثر من 75% في الأول الثانوي. هذه جريمة قانونية تأخذ “الوالدين” إلى المحكمة وتأخذ الطفل إلى حاضنة اجتماعية مستقلة في المجتمعات التي تحترم حق الإنسان في الحياة وتحمي الأجيال من إهمال الأسرة وتهور المجتمع.
لازلت أتذكر أنني سكنت لسنوات جوار مدرسة ثانوية في مدينة أميركية فلم أكن أشاهد سوى باصات النقل المدرسي الحمراء الشهيرة، لأن دوام الطالب بالسيارة جريمة يعاقب عليها القانون، والفكرة، أصلا، خارج المخيال الأسري الأميركي. كل ما نتمناه اليوم صدور قرار صارم حازم يمنع وقوف سيارات هؤلاء الأطفال أمام المدارس، ويعاقب طاقم كل مدرسة يتهاون في لجم هذه الظاهرة. السيارة بيد الطفل أو المراهق هي المدخل الواسع الكبير إلى باب الضياع والجنح الأخلاقي. هي البوابة إلى عالم المخدرات ومجتمع الشللية وإغراء التفحيط والقتل البريء. هي المدخل القاتل إلى بوابة “الطبقية” التي لا يفهم الطفل والمراهق منها سوى الاستعراض ودخول المنطقة الإجرامية المحرمة. المعادلة الاجتماعية تقول: طفل أو مراهق بلا سيارة سيعود فوراً إلى المنزل. القرار بسيط جداً ولكنه يحتاج إلى ورقة جريئة وحبر شجاع.
المصدر: الوطن أون لاين
http://alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=24575