سعيد المظلوم
سعيد المظلوم
ضابط في شرطة دبي برتبة مقدم ، حاصل على درجة الدكتوراة من جامعة سالفورد بالمملكة المتحدة في إدارة التغيير وعلى درجة الماجستير في الإدارة العامة (MPA) من جامعة ولاية أوريجون بالولايات المتحدة الأمريكية، مهتم في مجال الجودة والتميز المؤسسي ، يعمل حالياً مديراً لمركز أبحاث التميز بالإدارة العامة للجودة الشاملة بشرطة دبي

طنطا .. السنطا .. كفر خزاعل !

آراء

أنا من الجيل الذي كان يصبح ويمسي على المسلسلات المصرية، حينما كانت هي المسيطرة في الثمانينات والتسعينات، قبل أن يتعملق الإنتاج السوري والآن التركي. وما أكثر التمنيات التي كانت تراودني ـ منذ الصغر ـ عند مشاهدة لقطة من مسلسل مصري، إذ كنتُ أتمنى لو أنني معهم في تلك الأمكنة الرومانسية الجميلة التي طالما حلمتُ بزيارتها، عسى أن أستمتع بجاذبيتها، وأسامر أهلها وأشرب من نيلها، لتسري علي المقولة المتداولة والمشهورة: «من يشرب من ميّة النيل يرجع لها»، تمنيت ـ حينذاك ـ تلمس قلاعها، والجلوس في مقاهيها، وزيارة ريفها وأهراماتها ..

وقدر الله أن يتحقق هذا الحلم ـ منذ سنوات مضت ـ حين فاجأني عديلي «خالد» بأنه سيذهب إلى مصر، وبالتحديد إلى محافظة طنطا .. مركز السنطا .. كفر خزاعل، وأنه يرغب بصحبتي معه، لحضور حفل زفاف «حافظ» أحد الموظفين في شركته الخاصة. بالتأكيد كانت موافقتي فورية، وقلت له: على بركة الله.

سبحان الله .. كانت هذه الرحلة بالذات من أروع رحلاتي، فقد تحقق الحلم وعشته باليقظة. أتذكر ـ الآن ـ عندما استقبلنا الخفر في منتصف الليل ليفتح لنا بوابة الكفر، وكم كانت روعة الترحيب والكرم المصري! وجدنا طاولة كبيرة ازدحمت بما لذّ وطاب، من المحاشي والمشاوي والكبدة والكباب. والمعروف أن «الأكل المصري دسم جداً» ومما أتذكر ـ يومذاك ـ لحظة بزوغ الشمس وهي توزّع أشعتها على الريف المصري ليبدو رائعاً بأهله، وساحراً بجماله، وزاخراً بالمسطحات الخضراء الممتدّة على مد البصر.

وفي المساء، شعرتُ بأن السعادة تدغدغني والبهجة تلازمني وأنا أتابع بشوق ولهفة كيفية توافد الحشود الكبيرة وهي تتدفق لحضور الحفل الذي كنتُ أحلم بحضوره من خلال المسلسلات، فكان ممتعاً بفقراته الشعبية من غناء وفكاهة ورقص فلكلوري.

وجاء يوم الجمعة، فصلينا في مسجد الكفر «إحساس جميل عندما تضع جبهتك ساجداً لله في مكان لم يسبق لك السجود فيه»، وعندما ترى ـ بعد الصلاة ـ أنك قادر على أن تشرب من الجرّة (القلة) كما كان يفعل عزت العلايلي في مسلسل «أدهم الشرقاوي»، وكانت لحظة نسيتُ فيها نفسي فركضتُ نحوها لأشرب منها ماء بارداً في حَمّارةِ القيظ وعزّ الصيف .. وبعدها خرجنا لنتمشى في جوار «الترعة» ثم أخذنا صورة جماعية مع الجاموسة.

وحينما حل المساء ودّعنا الريف الجميل وتوجهنا نحو قاهرة المعز حيث الحلم الآخر كان في انتظار التحقق؛ للتجول في الحسين والجلوس على مقهى الفيشاوي لشرب «الشاي الكشري». كلها ذكريات مازالت محفورة في الذاكرة بالرغم من مضي سنوات عليها.

واليوم «حافظ» لم يعد يعمل مع «خالد» فقد ترك العمل منذ سنوات، ليتابع مشروعه الخاص بعد أن فتح الله عليه «اللهم زد وبارك»، ولكنْ ـ والحقُّ يقال ـ عندما كان حافظ موظفاً عند خالد كانت المعاني الإنسانية بينهما كبيرة، وكانت العلاقة أخوية أكثر من أنها مجرد علاقة موظف برب عمله، ولهذا بقي الودّ مترسخاً إلى اليوم، فكلما ذهب «خالد» إلى مصر زار «حافظ» في قريته، وكلما رجع «حافظ « إلى الشارقة حثّ الخُطى إلى خالد مشتاقاً.

أنا شخصياً أعرف «خالد» جيداً، وأعرف أنه إلى اليوم مازال يغزل على هذا المنوال، إذ لا يتردد في تلبية الدعوات، ومن جهة أخرى فقد جعل من مزرعته مقراً للتواصل والتجمع في كل مناسبة سعيدة مع زملاء العمل دون النظر إلى الدرجات الوظيفية، فالكل سواسية كأسنان المشط يتسامرون بفرح بعيد عن صخب العمل وبرستيج الكرسي .. وبهذه المناقب وأمثالها فقد ترك «خالد» ذكرى طيبة في قلوب كل من عمل معه.

يقول ولي الدين يكن: «المجْدُ، هو إحرازُ المرءِ مَقَامَ حُبِّ واحترامٍ في القلوب».

المصدر: صحيفة الرؤية