مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
ذات يوم خريفي، حملني القطار السريع إلى مدينة فينيس الإيطالية، وصلت عصراً، غادرت القطار وكانت المحطة تعج بالسياح، ففينيس وجهة سياحية عالمية خاصة للرومانسيين والباحثين عن الحياة بطريقة مختلفة، حيث تحفل هذه المدينة التي تبدو كأنها نبتت من الماء، بكل ما هو غير اعتيادي؛ القصص، والعشاق، والفن، والكنائس والمطاعم والفنادق و… المقاهي !
مبكراً جداً في صباح اليوم التالي كنت أقف أمام موظفة الاستقبال، سألتها عن أجمل أو أفضل مقهى يمكنني أن أشرب فيه قهوة إيطالية أصيلة؟ قالت: بدل الأفضل والأفخم سأقترح عليك أقدم مقهى في فينيس، ما رأيك؟ وافقت بكل سرور، فقالت: لكن عليّ أن أقول إن الحصول على مقعد في هذا المقهى سيكون أمراً صعباً للغاية، ابتسمت بامتنان، فكتبت العنوان الذي اختطفته من يدها وغادرت مسرعة بعد أن شكرتها!
بعد نصف ساعة كنت أمام المقهى المزدحم الذي ذكّرني بالمقهى الذي ظهرت فيه الممثلة جوليا روبرتس في فيلم (طعام، صلاة، حب)، كان مردّ الزحام أن الكل يأتي هنا ليحظى بفنجان قهوة في أقدم مقهى، الذي كان يحوي أربع طاولات فقط، بينما الكل يشرب قهوته واقفاً، وفي صخب مألوف عند الإيطاليين.
في أيامنا هذه، ابتدعت بعض شركات الدعاية والتسويق تأجير أعدادٍ من الناس يصطفون في طوابير عند مداخل المقاهي والمطاعم لإيهام الناس برواج المكان، الشركات تستأجر هؤلاء المتسوقين الوهميين مقابل مبالغ معينة، ومثلهم من يسمون «القراء الوهميون» الذين يؤلفون مجموعات قراءة منتشرة على مواقع التواصل، وينشرون صوراً ومراجعات وهمية للكتب يتحدثون عنها باعتبارها كتباً عظيمة، لا بد من قراءتها وعدم تفويتها، هؤلاء تدفع لهم شركات الدعاية أجراً مقابل تلك المراجعات والصور التي يلتقطونها في المقاهي وعلى الشواطئ وفي المطارات والقطارات بصحبة تلك الكتب التي يروجون لها، بينما هذه الكتب لا نظير لرداءتها!
ليس كل ما يلمع ذهباً، وليس كل الكتب التي يروج لها تستحق الحبر الذي كتبت به، لنفكّر جيداً قبل أن نندفع!
المصدر: البيان