ما زالت مقولة عبدالله القصيمي الشهيرة “العرب ظاهرة صوتية” تعبر عن حال العرب. وزاد من هذه الظاهرة الصوتية أن أتاحت تقنيات الاتصال الجديد، خصوصاً قنوات التواصل الاجتماعي، مساحة واسعة لكل الآراء لكنها مثل سوق لا تحكمها أنظمة ولوائح، فساد التهريج وعمت الفوضى.
ما زال بيننا ممن إن رفضت شتائمه وقلة أدبه رد عليك سريعاً: ألست تنادي بالحوار وتنوع الآراء؟ وفي سوقنا التي تعمها الفوضى، ينتظر منك البعض أن تكون على ملتهم وإلا فإنك خارج الملة. فإن لم تتبن القضايا التي ينادون بها انقلب عليك القوم بالتخوين وقائمة تهم طويلة تشمل العمالة وتحريض السلطة ضد دعاة الحرية والعدالة.
يشتكون من تضييق السلطات عليهم في التعبير وإبداء الرأي وهم يمارسون كل أنواع التسلط والإقصاء ضد كل من يختلف معهم أو يخرج عن خطهم. وهؤلاء الذين يناصرون رفاق “الحزب” باسم الدفاع عن الحرية والمساواة والعدالة لا ينطقون بكلمة في حق من يمر بذات الظروف من خارج فكرهم ومدرستهم. أنت – باختصار- في سوق شريعتها الفوضى وأبرز قوانينها أن تكون معي على طول الطريق، وفي كل المواقف، وإلا فإنك خصم وعدو للحرية ودعاة العدالة.
الذين يشتكون بالأمس من الإقصاء يمارسون الإقصاء اليوم. وهم يلبسونك لباساً لم تلبسه يوماً ولم تحلم أن تلبسه أبداً ففجأة يستنكرون عليك رأيك أو موقفك ثم يكذبون وهم يزعمون أنهم “صادوك” متلبساً لأنهم قد افترضوا فيك ما لم ترتضيه يوماً لنفسك كأن ينعتوك بـ”الناشط” و”الحقوقي” و”المحامي”!
تقسم بالله أنك لم تزعم يوماً -ولم ترد أبدأ أن تكون- ناشطاً أو حقوقياً أو محامياً فلا يعنيهم رأيك فيك أبداً. تلك من علامات الظاهرة الصوتية التي نبهنا لها منذ زمن بعيد الراحل عبد الله القصيمي ولم ننتبه. وهاهي اليوم تنتشي وقد باتت عنوان المرحلة!