مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
وأنت تسير وسط الجموع الحالمين، واللاهين، الممتلئين ببهجة الاحتفال بوداع عام واستقبال آخر، ليس في أدمغتهم سوى صور الاحتفالات والألعاب النارية، والأغنيات وجلسات العشاء الضاجة بالضحك والثرثرة والطعام الشهي، ستقول لنفسك لأكون مثل الجميع وانطلق صوب العام الجديد مثلهم.
تحاول أن تودع عامك المنسحب بكل ما كان فيه، متطلعاً إلى عام آخر تتمناه أن لا يشبه الأعوام الأخيرة التي عشتها كيفما اتفق، لكن إذ يقع بصرك على تلك الطفلة، وهي تركض ببهجة لتلحق أبويها، سعيدة ببالونها الذي تحمله وقد كتب عليه (سنة جديدة سعيدة)، عندها تقول لنفسك: ليتني أنسى كل ما عبرته وأعود كهذه الطفلة لا أعرف ولا أعلم شيئاً من المعارف والعلوم والأخبار والمآسي التي جعلتني لا أضحك كما تفعل هذه الصغيرة !
تعتقد أنه بإمكانك أن تودع ما كان، تريد جاداً أن تنسى مواقف ومآسي وأحزان وغصات العام الذي أغلقت صفحته، تكتشف أن الأمر يبدو صعباً بعض الشيء، وأن النسيان ليس بالبساطة التي تتوقعها، تكتشف أنه لا يمكنك أن تنسى حتى وإن رغبت وبإصرار ورغبة مؤكدة، مع ذلك فستحاول أن تفعل ما وعدت أن تفعله العام الفائت ولم تقدر !
إن كل ما تريد نسيانه من المواقف والأشخاص الذين كنت تحتفي بوجودهم في حياتك، أو تتوجع بسببهم، أو كنت متوجساً منهم أو مبتهجاً بهم، كل ما تريد نسيانه من أخبار «كورونا»، أو أصدقائك الذين رحلوا، ساعات الرعب التي مررت بها، أيام العزلة، وخذلان الأصحاب، الاكتشافات المتأخرة البائسة عن الناس، لن تتمكن من نسيان شيء، فالسوشيال ميديا ستذكرك بمجرد أن تفتح عينيك في أول أيام العام !
ستقع عيناك حتماً على صور كنت قد علقتها على هذا الحائط الافتراضي بفارق عام أو ثلاثة أعوام ربما.. إلى أين ستهرب؟ هل تريد حقاً أن تنسى؟ التكنولوجيا ستقف لك في كل الأزقة والطرقات الخلفية من ذاكرتك، حاملة الدفاتر والصور لتقول لك (إن كنت ناسي أفكرك) !!
فلا تمنحوا السوشيال ميديا كل ذاكرتكم.
عام جديد وسعيد للجميع
المصدر: البيان