كاتب متخصص في الإدارة
حينما تسير في شارع مزدحم فيقفز شخص ما أمامك فجأة ستقفز مثله لا شعوريا، ثم تتأكد بعد ذلك عن سبب هذه القفزة، لربما كان يريد تفادي الوقوع في حفرة! هذا التصرف العشوائي يسمى «عقلية القطيع» وهي نظرية أجري عليها عدد من الدراسات التي أثبتت أنها تعكس واقع الحال.
فأحيانا، مثلا، تجد نفسك تصفق فجأة مع الجمهور في ندوة مهمة أو مسرحية هادفة رغم أنك سرحت لبُرَهٍ ولم تسمع بوضوح سبب التصفيق! وكذلك الحال ربما تصرخ واقفا على مدرج مباراة كرة قدم مع الجمهور عند تسديد هدف رائع مع أنك لم تشاهد الكرة تدخل فعليا شباك المرمى. إنها عقلية القطيع التي تتحكم في بعض تصرفاتنا.
وقد أظهرت بالفعل دراسة لجامعة ليدز البريطانية السبب الذي «يدفع مجموعات من البشر لتقليد البعض بصورة لا واعية تماما مثل ما تفعل الأغنام والطيور»، حيث تبين أن «5 في المائة من البشر يؤثرون على 95 في المائة من توجهات هذه الأغلبية من دون أن تشعر». وفي إحدى التجارب العلمية طلب من مجموعات كبيرة السير في قاعة فسيحة جدا وأن يكونوا على مسافة ذراع واحدة من الآخرين شريطة ألا يُسمح لأحد بالتحدث مع أحد ولا حتى إبداء أي إيماءة جسدية. وتم تزويد مجموعة محددة من المشاركين سرا بمعلومات عن خط سير الرحلة داخل القاعة، ثم تبين أن من لم يكن لديهم معلومات كانوا يسيرون بتلقائية خلف من تم إخبارهم بخط السير.
وعلق أستاذ العلوم البيولوجية بجامعة ليدز البروفسور جنز كرايوس على نتائج هذه الدراسة وغيرها التي وجدت أساسا لعقلية القطيع الشائعة، بقوله: «يمكن لأحدنا الاستفادة منها مثلا في تنبيه عبور المشاة إلى خطر داهم وغيره من أحداث مشابهة».
وهذا دليل على أن عقلية القطيع ربما كان الهدف منها حماية الجنس البشري وسائر المخلوقات من الأخطار المحدقة بها، أو على أهمية الانتباه إلى سلوك جيد يجري من حولنا. لكن المشكلة تكمن حينما نقلد الآخرين بطريقة عمياء وننسى أن نحكم عقولنا، فنلقي بأنفسنا إلى التهلكة فقط لمسايرة الموضة أو المحاكاة المكلفة ماديا ومعنويا.
وأهلا بعقلية القطيع إذا كانت تسوقنا إلى خوض غمار المنافسة الشريفة بالتفوق على منافسينا أو زملائنا في العمل؛ لأن المستفيد المجتمع الذي يزدهر بثمار الجد الاجتهاد والإبداع وليس بالانقياد خلف التحزب أو التعصب أو التعنصر الأعمى الذي يئد كل موهبة واعدة في مهدها.
وربما يتساءل البعض أو يتحسس من مقولة «عقلية القطيع»، غير أن الخالق عز وجل شبه بعض السلوكيات الإنسانية بفعل الدواب في قوله: (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا).
المصدر: الشرق الأوسط
www.aawsat.com