ناصر الظاهري
ناصر الظاهري
كاتب إماراتي

علشان تطلع الصورة حلوة

آراء

تذكرت الفيلم العربي الجميل «اضحك تطلع الصورة حلوة» وأنا أتأمل جماعتنا المسافرين، وخاصة النساء الخفيفات اللائي تصبح تصرفاتهن من أجل صورة أجمل في السفر، ورغم أن «الفلتر» ساعدنا كثيراً وخفف من أعبائنا، وحل كل شيء يمكن أن يحمل بعضاً من البشاعة أو يضفي علينا شيئاً لا نود أن نظهر عليه، لكن البعض منا مازال يحمل أحمالاً وأوزاناً لا داعي لثقلها، لكنها تصبح ضرورية لدى عشاق الصورة الحلوة، لاستكمال بهاء الصورة التي نرغب الآخرين أن يروننا فيها، حتى أصبحت كل أمورنا وفرحتنا نؤجلها من أجل الصورة الحلوة، أحياناً لا نكون على بساطتنا خفافاً نظافاً علشان تطلع الصورة أحلى، نتوزى الكعب العالي، والمكياج الغالي، علشان تطلع الصورة أجمل، نحمل أثقالاً في حقائب سفرنا، و«نغصص على عمارنا»، من أجل أن تلتقط نساؤنا صوراً حلوة، يعني تصادف أن ترى واحدة ذاهبة إلى «سانتوريني»، وتكون هي والبحر فقط والمتعة الممتدة، لكنها تذهب لجمال تلك الزرقة برموش صناعية، وكحل، ولا تدرك معنى لفعلها ذاك، إلا حينما تلتقط لها صورة في «سانتوريني أو ميكانوس» وبحرهما الصافي، وتظهر هي بملابس لا يتحملها جو الجزر اليونانية في الصيف، ومكياج مبالغ فيه، لكي تظهر حضرتها في الصورة أحلى، نذهب للمطعم الغالي، وقد لا يعجبنا أكله، لكي نظهر فيه بصورة أجمل، ويقول الآخرون الذين شاهدوا صورنا المتجملة أننا من جماعة «VIP»، نذهب للمطاعم لا من أجل متعة الأكل وتجربة أكلات الشعوب، ولكن لكي تكون صورنا أمام وجباته أشهى وألذ، حتى الأماكن السياحية الجميلة نتكبد من أجلها العناء، لا طمعاً في معرفة، ولا حساً بالاكتشاف، ولكن علشان تكون صورنا أحلى في ذاك المكان، جل ساعات نهارنا وليلنا أثناء السفر من أجل صورة نظهر فيها متجملين، صانعي ابتسامة رخوة على وجوهنا، حتى أصبحت صورنا في الأسفار ليست لنا، بل لغيرنا، فنحن ننقل بثاً حيّاً ومباشراً من أماكن تواجدنا، وإحداثيات مواقعنا، الناس أصبحوا يعرفون ماذا كان فطورنا وأين، والغداء «قصورنا نعزمهم معانا عليه»، والعشاء يشاركوننا في رومانسيته، بعضنا يلبس الغالي في المكان الغلط، ويفتح أعين النصابين والنشالين والسراقين عليه، فيباغتونه في مضجعه، ويسلبونه الغالي والنفيس فقط، وقصص المتباهيات بزينتهن وحليّهن في أوروبا، أصبحت على كل لسان، بعد ما عدن بخفيّ حنين، ولم تبق من ذكريات السفر إلا تلك الصور التي كانت قبل، أما بعد، فكلها صور باهتة باكية، وبعض الحريم ودها لو تسكن «عِدّال سيفورا»، فهي تحمل أشياء ذلك المحل في الحل والترحال، كل ذلك لكي لا تظهر في الصورة بصورة لا ترتجيها، وبغير الزينة التي تبتغيها.

من أجل صورة تظهرنا للآخرين، قد نرتكب حماقات مشاحنة مفتعلة، قد نتحمل خطر الإصابة في حوادث الطريق والتجوال، قد نفقد أشياء خاصة، ونضيّع أشياء عزيزة علينا، قد نقع في مشكلات السفر المزعجة، والتي قد تهدم فرحتنا بالإجازة، هذا الأمر ليس من باب المبالغة، وتضخيم الأمور، فقد حدثت وستحدث، وكل ذلك من أجل أن تطلع الصورة حلوة، وبعض النساء تجدها تهتم بتفاصيل صغيرة وعميقة، لذا هناك الكثير من الممنوعات لا يجب أن تظهر في الصورة لكي لا تشوهها، مثل ظفر انكسر فجأة أو طار صبغه، شنطة أو فستان تصورت بهما قبل ثلاثة أيام، تذكرة سفر لابد وأن تظهر الدرجة المسافرة عليها، مستعدة تعيد التصوير لأن ماركة النظارة لم تظهر في الصورة، الحرص على عدم التصوير مع السيارات «الكرنبع»، والفنادق العادية والمحلات غير المشهورة، تجنب التصوير بجانب أي عيادة تجميل، لابد وأن تكون الصور بلقطة عامة، وكاملة تظهر الزينة والعلامات التجارية من فوق الرأس لأخمص القدم، وإلا عدت الصورة مش حلوة، ولا تليق بالنشر، وغير ذات محتوى.

المصدر: الاتحاد