في الرابع من أكتوبر، أكمل عامان على إنتقالي للإمارات وعاصمتها أبوظبي، لم أنتقل بالعمل والمسكن والأبعاد الجغرافية فقط بل أخترت أن أنخرط في حياتها وثقافتها وأسلوب عيشها الذي لا يشبه سواها..
في الإمارات طبيعي أن تسمع كلمة “فنان” عدة مرات باليوم من الإماراتيين، وصفهم للأشياء الجميلة والمتقنة فاتن جدا ويسبغون على الأماكن والتجارب وحتى على الناس كلمة فنان.. أي كرم يا قوم حتى في “رمستكم ” انتم تُعلون الفن عاليا كوصف أعلى للجمال !؟
صراحة الإمارات رفعت مستوى التهذيب لدي، كل شيء له مقدار وطريقة وأسلوب، لا أعتقد أن هناك شعب بالعالم أكثر تهذيبًا منهم، الثقافة المجتمعية أصلا هناك تقوم على “السنع” أي صنع الأشياء بطريقة متزنة ومهذبة وأنيقة !
الإماراتي أنيق في كل المحافل، له طرازهُ وأسلوبهُ وله تهذيبهِ ورفعة أخلاقهُ، صعب جدا أن تُخرج الإماراتي عن طورهِ لأنه تربى في مدرسة زايد -طيب الله ثراه- تلك المدرسة الأخلاقية الثقافية التي تقوم على حب الخير للغير، والمحافظة على رفعة وتميز الفرد الإماراتي بأن يستقبل جميع الثقافات وبنفس الوقت أن يحفظ على هويته وأسلوبه.
النساء في الإمارات قائدات حقيقيات والمجتمع يكبر بهن ويقدمهن في كل المحافل ، يشتبكن بذكاء بالموضة لكنهن يحافظن على قيافتهن باللباس المحلي المحتشم والأنيق، صوت المرأة الإماراتية متزن ورصين وطريقة كلامها لها فرادتها وجمالها..طريقة كلام الإماراتيات تشبه دندنة الأغاني !
في الإمارات لا يرتفع هرمون الكورتيزون لأن نادر أن تجد محفزات التوتر هناك، الشعب الإماراتي يُحرجك في مستوى تهذيبه وهدوئه وترحابه، تأسرني كلمة ” لا هنت ” وكلمة “بخير من صوبج ” وأتوه في كلمة “أنزين” و”أترياك “، وكم “صوغة” تصلني كل مرة في مناسبة مثل “القرقيعان” ومنتصف شعبان وطبعا كلمة “لا هنتِ” ترفع مستوى هرمون السعادة حين أسمعها ..
التهذب ثقافة إماراتية أصيلة، والمجتمع الذي بُنيت أركانه على المحبة والكرم والقدرة على إلهام العالم لا شك أنك شخص محظوظ حين يكتب الله لك أن تعيش بينهم وتتعلم منهم..
علمني الإماراتيين ثقافة التروي وضبط الإنفعالات، وأنا أصلا أفاخر دوما بقدرتي على الثبات الإنفعالي لكن الإماراتيين لديهم ثقافة ضبط انفعالي بمستويات متقدمة..
علمتني الإماراتيات أن أن المستقبل له أدواته ومنهجه وأن الظفر يكمن دوما بأن يجدد الفرد أدواته حتى يستطيع أن يلحق بركب المستقبل الذي يصنعه يوميا قادة هذا البلد وشيوخهِ
تعلمت من الشقيقات هناك. تقدير اللحظة والجمال، تعلمت منهن المحافظة الحثيثة على الأصالة وتقدير القيم
الإماراتيون علموني عيش الرقمنة، وأن أتحول رقميا في أسلوب حياتي، وأن أتابع كل جديد في عالم التكنولوجيا وحتى العقار، وبذات الوقت علموني أطباق أصيلة مثل “الثريد” و “الكنعد ” ومن يومين كنت في مطعم إماراتي وطلبت ” سمك قباب”، وأصبحت أفرق بين “المخور ” و “التلي” وأشرب “شاي الكرك” في الليالي الشتوية في “بيت الشاي “.
أنه حقا مزيج جميل بين الحداثة والتشبث بالهوية والجذور ..
كل ما تعلمناه من جامعات ودراسات وترحال، تأتي الإمارات بهدوء وتمكن وتعلمك ما لا يمكن للجامعات وأعلى الدراسات أن تفعله.
شتان بين الدول التي تستثمر في جودة حياة شعوبها ومقيميها بالقوة الناعمة ووجوهها وتجهزهم يوميا للمستقبل , والدول التي هي أشبه بالعصابات تلك التي تستثمر بالموت لشعوبها من خلال القوى الناعقة بالموت والخراب، وتُخرج للعالم مجتمعات مشوهُة نفسيا تهاجم كل مرة المجتمعات المتحققة لأنها تعاني اجتماعيًا من عقدة التفوق ..
شكرا يا دار زايد على كل محبة وتطور ومعرفة نتعلمها في أركانك يوميا ..
من أجمل النعم والبركات أن تعيش وتتعلم وتنمو في الإمارات ..
هند خليفات
تلميذة في مدرسة الإمارات