كاتبة سعودية
بعد عامين من المفاوضات، و18 يوما هي الاجتماع الأخير، تم الاتفاق النووي بين إيران ودول الغرب. نشرت عشرات الصفحات المتعلقة بالبنود ورفع العقوبات، إلا أن أبرز وأقرب نتائج ذلك هو إطلاق سراح الأموال الإيرانية المجمدة التي تصل إلى 150 مليار دولار مطلع 2016، بحسب المحللين. إذن أصبح الأمر واقعا. إلا أن بعض البنود يحتاج إلى تفسير دقيق حول آلية التنفيذ، فلا شيء مختلف كثيرا عن الإطار الذي أعلن عنه في نيسان (أبريل). وهي عشرة أعوام تخفض فيها إيران أو تتوقف عن بعض تفاصيل مشروعها النووي دون تفكيك البنية التحتية، وما سواها من البنود. لم توضح البنود على الأقل شيئا مفصلا حول إمكانية دعم إيران للإرهاب، هو الأمر الذي كانت ترفض إيران التدخل فيه باستماتة. لذا فعلى الإدارة الأمريكية توضيح خططها لمواجهة ذلك حال حدوث ما يخل بالأمن في المنطقة، دون أن تضيع هذه الخطط في مفاوضات قادمة قد تطول مرة أخرى في دوامة جديدة. المهمة ليست سهلة وبدائلها معقدة، نعم. ولربما كانت أمريكا تنظر إلى الأمر من زاوية واحدة وهي رفع العقوبات والمشروع النووي وإحداث تغيير، دون إعطاء أهمية كبرى إلى ما وراء ذلك من خطط لاحتواء الأزمات والمزيد من الأخطار التي قد تندلع في المنطقة، بوصفها تبعات.
قد لا يكون هناك بالفعل خيارات بديلة أمام أمريكا، ولا يمكن الإبقاء على العقوبات في ظل ظروف معقدة، ولا يمكن إنكار مصلحة الإدارة الأمريكية بطبيعة الحال من هذا الاتفاق وفي هذا التوقيت بالذات. قد يحدث أن تحصل إيران على أموال رفع العقوبات وتكون على بعد مسافة قصيرة من تجاوز العتبة النووية. ما الذي سيحدث بعد ذلك؟ هل يكون هذا السيناريو الحرج قريبا من الواقع؟ لذا فدور الكونجرس الآن أبعد من مجرد معارضة الاتفاق، بل الحصول على أجوبة للأسئلة الحرجة، والخروج بضمانات حقيقية مفصلة منها. ودور دول الخليج هو السعي المتزامن، مع توقيت مراجعة الكونجرس، وراء هذه الأجوبة أيضا. سعت أمريكا لإضفاء الطابع الرسمي على التزامها بأمن حلفائها في الخليج وأسفر عن ذلك قمة كامب ديفيد، مقابل كسب رضا الأطراف عن الاتفاق النووي. وكان الالتزام عبارة عن العمل المشترك لردع ومواجهة أي تهديد خارجي لدول مجلس التعاون الخليجي. ولا يعني هذا الاتفاق في مضمونه تغييرات حقيقية في العلاقات على أية حال. ويبدو أنه ليس مهما في نظر أمريكا أن تزداد قوة إيران أو تتغير معادلة القوة في الشرق الأوسط، فهي لا تقدر تماما مخاطر ذلك على حلفائها واستقرارهم، وعليها في المقابل.
لذا فعلى أمريكا أن تؤكد مصداقيتها في دعم الحماية التي قد يتسبب فيها هذا الاتفاق بأي صراعات مباشرة أو غير مباشرة، دون حصر ذلك في الجانب الأمني التقليدي. وأن تسير الحماية التقليدية المشتركة جنبا إلى جنب مع الحماية من مخاطر أكبر من الأمن المباشر والأسلحة التقليدية. فماذا يعني أن تزود أمريكا بالأسلحة والأمن في ظل إشعال مزيد من الحرائق؟ لقد كانت إيران ولا تزال تدعم حروبا بالوكالة، ما يؤجج بذلك الصراعات الطائفية في المنطقة ويعرقل الاستقرار الإقليمي. كل ذلك في مقابل تغافل دولي أمام الميليشيات النامية السنية والشيعية في المنطقة. لكن المشكلة والمفارقة أن الرئيس أوباما يرى أن التهديدات الخليجية ليست ناتجة عن التعديات الإيرانية، بل متأتية من داخل دول الخليج نفسها، وذلك في مقابلة مع توماس فريدمان أبريل الماضي. وهذه فلسفة سياسية أخرى تستحق نقاشا آخر.
المصدر: الاقتصادية