هزمت هيلاري كلينتون منافسها الديموقراطي بيرني ساندرز بسهولة. فقد بدا الرجل القادم من خارج «الإستابلشمانت» غريباً في طروحاته. هاجم نظام اللوبيات و»وول ستريت» والمؤسسات التي اعتادت أن توصل الرؤساء الأميركيين إلى البيت الأبيض. بدت أفكاره غريبة عن المجتمع الأميركي كأنه قادم من أميركا الجنوبية، أو من ثورات العالم الثالث. في حين التزمت السيدة كل المعايير التي يتبعها المرشحون للرئاسة، من الإشادة بممولي حملتها وتأكيد المحافظة على مصالحهم وتعزيز نفوذهم في الإدارة، وتجنيد جماعات الضغط، خصوصاً «إيباك» إلى التغني بإسرائيل وديموقراطيتها، وتكرار تعهد كل الرؤساء السابقين الاستمرار في دعمها سياسياً وعسكرياً في مواجهة الفلسطينيين والعرب، ونبذ كل من ينتقدها، أميركياً كان أو غير أميركي. حتى أن بعضهم (بايدن على سبيل المثال) يجاهر بصهيونيته ويزاود على جابوتنسكي في حق اليهود بـ»أرض الميعاد»، وحق واشنطن في رعاية هذه العودة، ويستخدم المسؤولون الأميركيون هذه الأسطورة لتحقيق مصالحهم الخاصة والعامة.
وأكثر ما يلفت في حملة كلينتون الانتخابية تدخل صديقها المتمول اليهودي حاييم سابان الذي ذكّر بتاريخها المؤيد لإسرائيل، واستعادت الصحف الإسرائيلية هذه المواقف لتشاركها حملتها وتذكرت حملتها الرئاسية عام 2008 عندما سئلت عما ستفعله إذا وصلت إلى البيت الأبيض وهاجمت إيران إسرائيل بسلاح نووي فقالت: «سأمحو إيران عن وجه الأرض».
طبعاً لا إيران هاجمت إسرائيل ولا هي وصلت إلى الرئاسة، لكن المهم المبالغة في حب إسرائيل، والاستعداد للدفاع عنها في كل الظروف. والمبالغة في هذا الحب ليس لها حدود. نشرت صحيفة «ذي غارديان» البريطانية رسالة من كلينتون إلى سابان جاء فيها أنها إذا فازت بالرئاسة «ستسمح لإسرائيل بقتل 200 ألف فلسطيني في غزة، وليس 2000 فقط، مثلما حصل في العدوان الأخير على القطاع».
هذا هو النموذج الديموقراطي الأميركي الذي ينتظر الفلسطينيين والعرب: انحياز كامل إلى إسرائيل واستعداد لارتكاب إبادات جماعية، وربما العودة عسكرياً إلى الشرق الأوسط بحماسة لتفكيك ما بقي من دول عربية، بعد انكفاء باراك أوباما واكتفائه بحروب بالواسطة. أما الجمهوريون فلنا معهم تجارب طويلة من ريغان إلى جورج بوش الابن واحتلال العراق وتقسيمه ونشر الفوضى انطلاقاً من بغداد في كل المنطقة، وطبعاً زيادة المساعدات لإسرائيل والتنسيق معها والدفاع عنها في حروبها. ولربما كان هنري كيسنجر خير من عبر عن سياسة الجمهوريين في المشرق. فهو لا يرى فائدة من إقامة دولة فلسطينية، أو «إضافة دولة فاشلة أخرى إلى الدول الفاشلة في الشرق الأوسط». والآن أمامنا دونالد ترامب الذي لم يستطع تحمل وجود أميركيين سود أرادوا الاستماع إلى خطاب ألقاه في إحدى المدارس فتكفلت الشرطة بطردهم من القاعة. وهو يخوض الآن صراعاً مع حزبه بسبب صراحته المتناهية في التعبير عن سياساته الداخلية والخارجية، حتى أن السيناتور لينزي غراهام المعروف بعدائه لكل ما هو عربي ويزاود على جون ماكين في هذا العداء، لم يتوان عن مهاجمته لأنه يشوه صورة الحزب.
لكن على رغم الحملة على ترامب ما زال الرجل يسجل الانتصار تلو الانتصار على منافسيه، ما يشير إلى أن العنصرية ليست حكراً على السياسيين في المجتمع الأميركي بل تغوص عميقاً في قلب هذا المجتمع الذي هزم ساندرز المتحرر من ضغوط الإعلام والشركات وجماعات الضغط.