دبي – آية مراد
جرس الساعة يدق ليحطم سكون المكان وتمتد إليه يد خالد في بطء شديد حيث يتأمل عقارب الساعة لعله يعلم الوقت ولكن مالبث أن استدار عن الساعة وأعطاها ظهره وهو يتمتم “مافائدة الوقت بالنسبة لي وقد أضحي كل شيء حولى خال من القيمة”.
خالد شاب في مقتبل العمر ولكنه للأسف عاطل عن العمل فهو لم يستطع تحقيق أي حلم من أحلامه علي أرض الواقع بعد فشله المتكرر في الحصول علي وظيفة مناسبة حتى صار يلقى اللوم على كل الناس ولا يرى إلا السواد يكسوا كل شيء حوله.
وهاهو ذا خالد قد أتخذ قرارا بالهجرة عسى أن يحقق طموحاته المؤجلة في بلد أخر غير بلده، وكان عليه الإسراع بإجراءات السفر حتى يغادر بلده في أسرع وقت ممكن غير أسفا على أي شيء سيتركه خلفه.
ذهب خالد لقضاء بعض الحاجات الأساسية إستعدادآ للرحيل غدا باكر فبدأ بزيارة أقاربه حيث ودعوه بدموع حارة راجين من الله عز وجل أن يلهمه طريق الرشد وألا تطول سنوات غربته الشيء الكثير، تركهم خالد وهو يتعجب بداخله من فعلهم فكيف يدعون له بالعودة القريبة للبقاء بجانب المشاكل والأزمات التي لاتنتهى فهو حتما يتمنى عكس مايدعون به بل إنه عاقد العزم علي عدم العودة البتة لتلك الديار.
أقبل الليل ولم يبق إلا ساعات قليلة علي ميعاد رحيله إلا إنها كانت ساعات ثقيلة على قلب خالد ظل خلالها يمشى في الشوارع هائما لايدري من أين يأتي أو إلى أين يذهب إلا إنه فجأة يقابل صديقه القديم صابر والذي لم يقابله منذ أن أنهيا دراستهما الجامعية، تعانق الصديقان وبدأ كل منهما التعرف علي أخبارالأخرحيث فوجئ خالد بأن صديقه صابر يعاني من نفس المشاكل ويواجه نفس العقبات إلا أن صابر كان أكثر تفاؤلا بالمستقبل من خالد فهو لم يقرر أبدآ ترك بلده مهما كانت قسوة الظروف فيها، سار الصديقان في الشارع الطويل يتحدثان في شجون ويتذكران أحلامهما السابقة في النجاح ولكنهما يختلفان في النظرة للمستقبل فخالد شديد اليأس بينما صابر شديد التفاؤل، وبينما هما يتجادلان في مستقبليهما قادتهما أقدامهما إلي أبواب المتحف الوطني فقررا الدخول بحثا عن شيء من التسلية وقتل الوقت.
المكان مليء باللوحات كل لوحة كأنها تحكى قصة أوتؤرخ لحدث، تأمل خالد اللوحة الأولي فهي تمثل قصة فلاح يحرث أرضه بيديان فيهما الكثير من الصلابة ويلتف حوله أهله ليساعدوه في عمله الشاق وتظهر خلفهم مروج خضراء حصادا لعملهم وتعبهم، استدار خالد ليتأمل لوحة أخرى والتي وجدها تحكى قصة عمال بسطاء يصهرون الحديد في جو شديد الحرارة ويعلو من خلفهم بنيان شاهق ساهموا بكدهم وعرقهم في تشييده, أما اللوحة الثالثة فهي تمجد قصة جنود بواسل دافعوا عن أرض الوطن بأرواحهم ودمائهم ويرفرف فوقهم علم البلاد في عزة وإباء.
تعجب خالد أشد العجب من تلك المشاهد التي رآها وظل يسأل نفسه ماسر نجاح كل هؤلاء في تحقيق أهدافهم ؟ ولماذا نجحوا فيما لم أنجح أنا فيه ؟ أليس هؤلاء أجدادي عاشوا في نفس البلد بل وواجهوا ظروف أقسى من ظروفي؟ ماسر تلك السعادة التي تعلوا وجوههم جميعا ؟
رجع خالد ليتأمل اللوحات مرة أخري لعله يتفحصها بنظرة أفضل ويدرك مالم يدركه في المرة الأولي وجاءته الإجابة مسرعة فقد لمح خالد في أعين أجداده الكثير من الإصرار علي مواجهة الصعاب ممزوجة بمسحة من التفاؤل بمستقبل مشرق.
خرج خالد من باب المتحف عاقدا العزم على إلغاء سفره والبقاء في بلده مشمرا عن ساعديه ليبدأ قصة كفاح جديدة مليئة بالإصرار والتفاؤل متيقنا من النجاح كما نجح أجداده من قبل, وودع خالد صديقه صابر إلي لقاء قريب ومضي إلي بيته مسرعا وهو يمزق تذكرة السفر.
قرر خالد النوم لأخذ قسط قليل من الراحة حتى يتمكن من الاستيقاظ مبكرا مع طلوع شمس يوم جديد ولكنه قبل أن يخلد إلي النوم ضبط عقارب الساعة فقد أدرك الآن أن الوقت له قيمة عظيمة في حياته، وخلد خالد إلى النوم في انتظار يوم جديد مليء بالأمل والعمل.
خاص لـ ( الهتلان بوست )