كاتب و ناشر من دولة الإمارات
عادت الفلسفة إلينا، إلى مدارسنا وجامعاتنا بعد انقطاع طويل.
وسائل يسأل: ما معنى عودة الفلسفة ولماذا؟ وما أهميتها لمجتمعنا؟
دعوني أعرّف الفلسفة بأنها وعي العقل بالعالم المعيش، ونشاط العقل في اكتشاف الأسئلة الصحيحة، حول الوجود والمعرفة والقيم والجمال.
إنها بما تملكه من مفاهيم ومناهج ومنطق لقادرة على ممارسة النقد المعرفي، فضلاً عن تزويد الوعي بأدوات الحوار الخلاق في كل المجالات التي من شأنها أن تسهم في تطور بلادنا ومستقبلها.
وإذا كانت الفلسفة هذه وهي هذه، فهي على جانب كبير من الأهمية بالنسبة للفرد وللجماعة وللمؤسسة.
ولما كان هاجسها الموضوعية في الأحكام حول العالم، والتحرر من كل ما يعيق العقل من التفكير الموضوعي، فإنها تكشف عما وراء ظاهر الأشياء، عن الأسباب العميقة التي تفسر لنا الظواهر الاجتماعية والسياسية والقيمية.
ولقد انتبهت دولة الإمارات العربية المتحدة منذ ولادتها إلى هذه الأهمية السابقة الذكر للفلسفة، وجعلتها مادة للتعلم في المدارس، وإذا شاءت بعض الظروف أن تبعدها عن مجال التعليم، فها هي دولتنا تعيدها إلى سابق عهدها، وبحلة جديدة من الظهور.
تعود الفلسفة إلى مناهج التدريس، تعود الفلسفة إلى أقسام كليات الآداب والعلوم الإنسانية، إلى الحوار المدني في الأنشطة الثقافية، إلى إصدار أهم كتب الفلسفة المترجمة وغير المترجمة، والمكتوبة بلغة عربية فلسفية ناصعة.
فها هي جامعة محمد بن زايد تعلن عن افتتاح قسم الفلسفة تحت مسمى الفلسفة والأخلاق.
وسيكون لهذا أثر كبير في تكوين جيل من خريجي الفلسفة الذين تحتاج إليهم الدول في كل أنشطتها التعليمية والثقافية والتربوية والإعلامية، فضلاً عن أن هناك نية لافتتاح قسم للدراسات العليا في الفلسفة، حيث سيجد كثير من المنتسبين لنيل شهادتي الماجستير والدكتوراه الفرصة لتناول الموضوعات المرتبطة بالواقع المعيش على نحو نظري، وهذا يعني تكوين كادر أكاديمي يعود لتزويد الجامعة والمجتمع بالاختصاصيين الذين بدورهم سيغدون مدرسة لتخريج الأجيال وهكذا.
وتجب الإشارة في هذا الصدد إلى تأسيس بيت الفلسفة في الفجيرة الذي مضى على إنشائه عامان ونيف، والذي يعتبر ظاهرة عربية فريدة، حيث تحول إلى مجمع فلسفي عربي، هذا وقد تم تدشين بنائه الجديد قبل أيام.
إن دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي تطرح استراتيجية بناء مجتمع السعادة والتسامح والتنوير، فإنها باستعادة الفلسفة، بوصفها علم التفكير بسعادة الإنسان، واحترامه، الذي يقوم على فكرتي الحق والاعتراف بالحق؛ فإنها تزود الحياة الثقافية بكل ما يعزز الحوار المجتمعي، وما يعزز قيم التسامح والمحبة بين أفراد المجتمع وجميع القاطنين فيها من دول العالم.
إن فلسفة التسامح كانت ومازالت جزءاً لا يتجزأ من نشاط الفلسفة منذ نشأتها وحتى الآن.
وكان أجدادنا من الفلاسفة العرب قد جعلوا من سعادة الإنسان شغلهم الشاغل.
وبهذا المعنى فإننا نستكمل الهاجس الفلسفي العربي بانبلاج فجر الفلسفة من جديد في دولتنا الرشيدة.
المصدر: الامارات اليوم