كاتب و ناشر من دولة الإمارات
ما الذي سيحدث إذا شاهدت غراباً أبيض؟!
«البجعة السوداء» عنوان كتاب مهم للكاتب الدكتور نسيم طالب، الذي يكنى بـ«فيلسوف الصدفة»، تحدث فيه عن نظرية البجعة السوداء.
اعتقد العالم في السابق أن البجع لونه أبيض فقط، وكانت المفاجأة عندما اكتشفوا أن هناك فصيلة أخرى من البجع، ألوانها سوداء.
السؤال المطروح الآن: أين كانت المشكلة؟ هل في وجود بجع يخالف لونه البجع المألوف أو المعروف، أم في نمط التفكير السائد، أم عقلية أصحاب القناعات وتحركهم في نطاق المعلومة المتوافرة؟
في محيطنا لا ينتشر البجع الأبيض ولا حتى الأسود، لكن تنتشر عندنا الغربان بلونها الأسود الغالب، وتراثها الموروث في الذاكرة وبعض القصص الشعبية معروف للجميع، حيث يلتصق بهذا الطير من الحكايات والصفات ما يجعله بطل القصص بين الطيور دون منازع.
ما الذي سيحدث لقناعاتنا؛ لو شاهدنا غرباناً بيضاء، تمارس حياتها ودورها في الطبيعة، إلى جانب شقيقاتها السوداء؟
دعني أحدثكم قليلاً عن وهم المعرفة.. أن تعيش حياتك أسير معلومات بسيطة، مغلوطة أو ناقصة، وكنت تعتقد أنها صحيحة وباقية ما بقي الزمان، في حين أن الجميع في مكان آخر يعرفون حقيقة هذه المعلومات، ويعرفون أنها جزء بسيط أو يسير من الحقيقة المعروفة، هذا على أحسن الأحوال. ولكن دارت الدوائر، وعرفت بالصدفة حقيقة وهمك أو قصورك، فغيرت ما كان لديك بمثابة قناعات نهائية، فالمشكلة ليست في المعلومة الجديدة، ولا في زوبعة التشكيك التي كانت تُثار حول صحتها، كما كان يفعل البعض في السابق، حيال الكثير من القضايا العلمية والمعرفية، وإنما المشكلة تكمن في الوهم، الذي يعيشه البعض من أصحاب الفكر، فيقدمون المعلومة؛ كأنها حقيقة علمية نهائية غير قابلة للجدل أو المناقشة. والمشكلة الأخرى، تكمن في المتلقي، الذي يقبل هذا الوهم، ويؤمن به إلى حد القداسة، ويعيش على بساطه الوردي خليَّ البال!
لا أدري لماذا يتعيش العقل العربي منذ قرنين من الزمان – هذا على أقل تقدير – على التلقي، وأحياناً التلقي السطحي من خلال وسائل الإعلام الطيارة، أو الترجمات المبتورة؛ دون تدقيق أو تمحيص للمعلومة، ودون مساءلة أو مناقشة للأفكار؟ والمصيبة أننا نستقبل كل شيء، لا على التحديد، بدءاً من العلوم والمعرفة، وصولاً إلى وجبات «ماكدونالدز» و«كنتاكي»، نفتح لكل شيء بوابات قلوبنا، ونستضيفه عزيزاً مكرماً في صالات عقولنا المستريحة من همّ التفكير!
هل كلمة مستحيل قابلة للتحقيق؟ اقرأ أكثر عن نظرية البجعة السوداء، وستعرف الإجابة.
عندما رأى الأستراليون البجع الأسود لأول مرة في القرن الثامن عشر؛ اختفت هذه الكلمة التي كانت سائدة منذ العصور الوسطى، كيف أصبح المستحيل ممكناً؟
في عصر المماليك كان يتردد أن جيش التتار لا يقهر! احتاج العالم لمعركة واحدة فقط، في «عين جالوت» ليتبدد هذا الوهم، وبعدها قهر هذا الجيش واندحر «خانه» الأعظم هولاكو، ولكن هل تقهر الأفكار؟
يقول صاحبي: لماذا نتعامل مع الأفكار كممتلكات؟
قلت له: لأننا لا نعرف غيرها.
إنه وهم المعرفة، ما نعرفه ونعرف تفاصيله يكون محور تركيزنا.
قال لي: ما الذي سيحدث لو تخلينا عن الوهم في حياتنا؟
قلت له: لماذا تريد أن توقظنا من النوم؟
المصدر: صحيفة الإمارات اليوم