في غرف إسمنتية لا تكسوها سوى بعض رسومات الغرافيتي من الخارج، يمكن للمرء أن يحطم ما يشاء من الزجاج والإلكترونيات والطابعات، وغيرها من المواد الصلبة، في تجربة تعد الأولى من نوعها، ليس فقط في دبي، بل في الشرق الأوسط والمنطقة، وتحمل عنوان «غرفة التحطيم».
تتميز التجربة بكونها تجعل المرء أكثر قدرة على التخلص من التوتر بداخله، فهو يحطم غضبه وذكرياته، وينثر ألمه وأحزانه داخل جدران الغرفة، ليخرج منها إنساناً مملوءاً بالطاقة الإيجابية. هذا المشروع الذي يبدو ترفيهياً بالدرجة الأولى، يحمل الكثير من الأبعاد النفسية التي تنعكس إيجاباً على التوازن في نفسية المرء.
مؤسس المشروع، إبراهيم أبودياك، قال لـ«الإمارات اليوم»: «بدأت الفكرة عند شريكتي في المشروع، حين خسرت جدتها، حيث حاولت التخلص من الحزن عبر الكثير من الوسائل التقليدية، ومنها اليوغا، والملاكمة، لكنها في الأخير قررت القيام بتكسير بعض الإلكترونيات التي كانت تمتلكها، وليست صالحة للاستخدام، وتخلصت بعدها من هذه الضغوط». وأضاف «شريكتي أخصائية نفسية، وتدرك أن هذا النوع من النشاط يمكنه تخليص الناس من التوتر، فهو يفجر طاقات الغضب بداخلهم، ومن هنا أتت الفكرة التي توقعنا لها الصدى الكبير والنجاح».
ويرى أبودياك أن الناس تمر أحياناً بالكثير من الضغوط، لاسيما في مجال العمل، و«هناك شريحة كبيرة ممن يحتاجون لتفريغ طاقاتهم دون أن يواجههم المجتمع بانتقادات»، مشيراً إلى أن المشروع افتتح منذ أربعة أشهر، وقد استقبل حتى الآن أكثر من 1500 شخص، وجميعهم تخلصوا من الضغوط السلبية، وخرجوا بوجه مختلف بعد هذه التجربة. ومن الفوائد الأخرى لغرفة التحطيم أن من الممكن اعتمادها كرياضة، ومن الممكن القيام بهذا النشاط مرة كل أسبوع أو أسبوعين، إذ يمكن أن يحرق المرء نحو 80 سعرة حرارية في مدة خمس دقائق داخل الغرفة، كما يمكن للمرء أن يختار الموسيقى التي يريد أن يُحطم على وقعها، فالبعض يختارون موسيقى كلاسيكية، وفقاً لأبودياك، بينما البعض يفضل التكسير على وقع موسيقى الروك الصاخبة، التي تضعهم بمزاج التحطيم.
تتنوع المواد التي يتم تحطيمها بين قطع الزجاج، والتلفزيونات، والـ«دي في دي»، والطابعات، وغيرها من الإلكترونيات، وأشار أبودياك إلى أن تحطيم الزجاج له وقع خاص، موضحاً أنه لا يتوافر بشكل دائم، إذ يتم إحضار الزجاج من المصانع التي يكون لديها بعض القطع غير الصالحة للبيع، بسبب عيوب في التصنيع. أما الإلكترونيات فيتم الحصول عليها من المستودعات التي تحفظ الإلكترونيات المعطلة وغير الصالحة للاستخدام، وبالتالي فإن تحطيمها يسهم في الحفاظ على البيئة، لاسيما أن كل ما يحطم في الغرف يتم فرزه وإعادة تدويره. إلى جانب ذلك، تستقبل غرف التحطيم التبرعات من أشخاص يريدون تغيير أثاث منازلهم، ويقدمون إلكترونيات فيها بعض الأعطال، أو أنهم يحضرون بهدف تحطيمها داخل الغرف. كما أكد أبودياك قيامهم بإحضار قطع إلكترونية من «شركة ملتو»، التي عقدت اتفاقيه مع «مبادرة سلمى»، التي تعنى بتقديم المساعدات للاجئين في العالم، حيث إن اختيار قطع من هذه الإلكترونيات يجعل المرء مسهماً في نسبة من المبلغ لمصلحة اللاجئين.
وبعد الانتهاء من التحطيم، يتم فرز المواد المحطمة من أجل إعادة تدويرها، حيث يأتي المتخصص في تجميع المعادن مرة أسبوعياً إلى الغرف، ويستخرج المعادن الكبيرة، بينما الزجاج والبلاستيك يتم فرزهما خارج الغرف، وفي مصانع متخصصة.
أما الأدوات التي تستخدم في التحطيم فتتنوع بين مضارب البيسبول الحديد، ومطارق صغيرة، ومطارق كبيرة، والفأس، والمفتاح الإنجليزي، والمفك الكبير، إلى جانب العصا الحديدية، وكذلك مضرب الكريكيت، وغيرها من الأدوات غير المألوفة في التحطيم، والتي تزيد من متعة التجربة وغرابتها. ويزور هذه الغرف النساء والرجال على حد سواء، لكن اللافت أن نسبة الإناث اللاتي يزرن غرف التحطيم تصل إلى 75% من إجمالي زوار المكان، ورأى أبودياك أن العدد المرتفع من الزائرين من جهة الإناث يعود إلى قدرتهن على التعبير بشكل أكبر، لأن الرجال غالباً ما ينظرون إلى عملية تفريغ المشاعر كنقطة ضعف.
ويضيف أن الكثير ممن دخلوا الغرف وكسروا خرجوا بعدها وهم يبكون، وكأن هناك ما كان مكبوتاً بداخلهم، لافتاً إلى أن المشروع بالطبع واجه بعض الانتقادات، منها أنه مضيعة للمال، وتقليد للغرب، ونحن نحترم خلفيات الناس وتفكيرهم، ولكن الناس الذين ينتقدون هم الأكثر حاجة لتفريغ غضبهم، أو على الأقل للاستمتاع بالتجربة.
أما الحفاظ على السلامة داخل غرف التحطيم، فيتم وفق معايير عالية تحفظ سلامة المرء وأمانه، فالغرف مراقبة بالكاميرات، بهدف مراقبة ما يحدث بداخلها، ثم هناك ملابس تغطي الجسم كاملاً، ويفضل أن يرتدي المرء حذاءً مغلقاً، وذلك لضمان عدم دخول الزجاج إلى القدمين، كما يتم وضع غطاء بلاستيكي متين للصدر، يحميه من أي صدمة قد تحدث، ويتم توفير قفازات تحمي من الجروح والخدوش، إلى جانب الخوذة التي تحمي الرأس، والتي تحتوي على قطعة بلاستيكية شفافة تغطي الوجه، وتحمي المرء بشكل تام. واعتبر أبودياك أن معايير السلامة العالية هي أبرز ما يميز التجربة عن غيرها من التجارب المشابهة الموجودة في العالم.
وعن الديكور في المكان، شدد أبودياك على أنه تم انتقاء كل تفاصيله بعناية، خصوصاً أنه كانت هناك خطة لجعل المكان متميزاً ببساطته، إذ تركت الغرف إسمنتية ومن دون طلاء. كما تم وضع نوافذ للغرف، بحيث يمكن التقاط الفيديو أو الصور من الخارج. أما الرسومات على الجدران، فكانت مختلفة، وتعكس الغضب والبساطة، وكذلك تمنح المرء الإحساس بأنه في مكان ما تحت الأرض. ونوه أبودياك بأن الفنانة التي رسمت على الجدران كان هذا عملها الأول على الجدران، وكانت لها حرية اختيار ما يوضع دون أن نحدد لها. أما الإشارة التي تحمل اسم المشروع، فكانت من النيون، وصنعت خصيصاً في الصين.
أسعار
تختلف الأسعار بحسب طبيعة التكسير والتحطيم، فمثلاً 99 درهماً هي الباقة الخاصة بتحطيم الزجاج، بينما يزيد سعر باقة تحطيم الإلكترونيات إلى 149 درهماً، وتصل إلى 249 بحسب ما يتم اختيار تكسيره. كما أن هناك باقات خاصة لشخصين أو ثلاثة أشخاص، ومن الممكن شراء الفيديو الذي يكون قد تم تصويره في الداخل، برسوم بسيطة تصل إلى 50 درهماً. أما الوقت الذي يمضيه المرء داخل الغرفة، فهو ثابت ولا يتجاوز نصف ساعة.
قصة طريفة
من القصص الطريفة التي يذكرها أبودياك حضور شخص ياباني إلى المشروع، وكانت ملامحه هادئة جداً، وكان يُكسّر ويحطم، وفجأة توقفت الموسيقى لسببٍ ما، فانكشف أن صوته كان مرتفعاً جداً، فقد كان يصرخ ويشتم داخل الغرفة. كما أن العديد من الثنائيين، الذين بدوا متفاهمين، دخلوا الغرفة متفاهمين، ولكن داخل الغرفة كانت تظهر ملامح الاختلاف، خصوصاً انزعاج الرجل من تكسير شريكته بطريقة غير عنيفة، وهادئة.
– المشروع افتتح منذ 4 أشهر واستقبل حتى الآن أكثر من 1500 شخص، جميعهم تخلصوا من الضغوط السلبية.
– تتنوع المواد التي يتم تحطيمها بين قطع الزجاج والتلفزيونات والـ«دي في دي» والطابعات وغيرها من الإلكترونيات.
– أبودياك: نسبة الإناث اللاتي يزرن غرف التحطيم تصل إلى 75% من إجمالي زوار المكان، لأن الرجال غالباً ينظرون إلى عملية تفريغ المشاعر كنقطة ضعف.
– يحرق المرء نحو 80 سعرة حرارية في 5 دقائق داخل الغرفة.
المصدر: الإمارات اليوم