على غلاف عددها الأخيرة، وضعت مجلة «تايم» صورة شريحة زبد عملاقة. ومعها النصيحة الآتية في حروف كبيرة؛ «كل الزبد»، ثم عبارة: «لعقود، قال العلماء إن الشحم (الدسم) هو عدو الإنسان. لماذا كانوا مخطئين؟».
نعم، منذ عقود، ظل الشحم، والدهون، وزيوت الطعام مذمومة في النظام الغذائي الأميركي. في الوقت نفسه، يظل بعض الأميركيين، وربما كثير منهم، يتذمرون، أو يتمردون، أو يغشون.
تذمر بريان والش، كاتب تقرير مجلة «تايم»، وكتب في بداية التقرير: «كان طعم طفولتي طعم الحليب الخالي من الدسم. وبدلا من الزبد على الخبز، كنا نضع سمنا أصفر من دون شحم. وكثيرا ما أكلنا فطور الشوفان الذي يوضع في ظروف ورقية مكتوب عليها (دسم قليل). وكثيرا ما وضعنا على صحن السلطة مشهيات من دون دسم». وأضاف والش: «كنا نفعل ما أمرتنا به الحكومة».
هذه إشارة إلى ما حدث في عام 1977. عندما نشرت لجنة في الكونغرس تقريرا عنوانه: «الأهداف الغذائية للولايات المتحدة». وكان من الأهداف: أولا أكل قليل من اللحوم الحمراء (بقر، ضان، ماعز.. إلخ). وكثير من اللحوم البيضاء، من دون شحمها (دجاج، طيور.. إلخ).
ثانيا: أكل قليل من الدهنيات، والزيت، والزبد، واللبن الدسم. وكثير من الفواكه والخضراوات.
بعد ثلاثة أعوام من نشر التقرير، في عام 1980. صارت الأهداف قانونا. وأصدر قسم إدارة الطعام والأدوية (إف دي إيه) التابع لوزارة الزراعة (يو إس دي إيه) إرشادات بهذا المعنى. وفي العام نفسه، أصدر المعهد الوطني للصحة (إن إي إتش) تقريرا بالمعنى نفسه. وبعد عام، أصدر «إف دي إيه» نتائج تقرير كلف 150 مليون دولار، وشمل أبحاثا عن كل كبيرة وصغيرة في الأكل الأميركي، وفي طريقة أكل الأميركيين. وكانت رسالة التقرير واضحة: «تناول كميات أقل من الدهون والكولسترول لتقلل من خطر نوبة قلبية».
وخلال السنوات القليلة التالية، سمعت النصائح شركات صناعة المواد الغذائية. وامتلأت رفوف محلات البقالة وبيع الأطعمة بأشياء مثل: «لايت يوغرت» (زبادي قليل الدسم) أو «نوفات يوغيرت» (زبادي من دون دسم).
وخلال الأعوام من 1977 إلى 2012، انخفض نصيب الفرد الأميركي من استهلاك اللحوم الحمراء والشحم والدهنيات بنسبة أكثر من الثلث وقرابة النصف. لكن زاد استهلاك السكريات والحلويات لسببين رئيسين:
أولا: «انتقام نفسي» وسط الناس بسبب الحرمان.
ثانيا: حذفت شركات إنتاج الطعام الدسم، واستبدلت به السكر، لإغراء الناس.
في الحقيقة، كان مدير المعهد الوطني للصحة، د. فيليب هاندلر، قال في عام 1980، إن الموضوع كله «تجربة غذائية». لكن، طبعا، بعد أن صار قانونا حكوميا، لم يكن ممكنا وصف قانون بأنه «تجربة». لكن، بسب حقيقة أن قرابة مليون أميركي كانوا يموتون بأمراض قلبية، كان لا بد أن يجرب الأميركيون شيئا مختلفا.
الآن، بعد قرابة 40 عاما من تقرير الكونغرس، وتخفيض الدسم، حدث الآتي:
أولا: زادت نسبة السمنة. بل تضاعفت عما كانت عليه في عام 1980.
ثانيا: تضاعفت نسبة مرض السكري بنسبة 170 في المائة. وصار واحد من كل عشرة أميركيين مصابا بالمرض. وأيضا، تضاعف وسط صغار السن.
ثالثا: انخفضت الوفيات بأمراض القلب. لكن، قال كثير من الخبراء إن السبب الرئيس هو زيادة الرعاية الطبية، وتخفيض التدخين. لكن، تظل أمراض القلب سبب أكثر الوفيات.
وقال د. ديفيد لودويغ، مدير مركز منع السمنة في مستشفى بوسطن للأطفال: «توجد أدلة قوية، وبأغلبية ساحقة، على أن العكس (تخفيض السكريات، لا الدهنيات) هو الصحيح». لكن، طبعا، يقول علماء آخرون غير ذلك، ثم إن الطعام القليل الدسم صار جزءا من العادات والتقاليد الأميركية. وبعد قرابة 40 عاما على أول تقرير من الكونغرس، يبدو أن التغيير لن يكن سهلا. وكما قال د. لودويغ: «حتى إذا سارع ناس نحو الزبد والدسم، سيتردد ناس في ترك الحلويات والسكريات».
وقال د. إريك ويستمنان مدير مركز الرعاية الصحية في جامعة ديوك (ولاية نورث كارولينا): «يعني كل هذا أن الحكمة القديمة لن تتغير بهدوء. هذه نقلة نوعية هائلة في مجال العلوم». غير أنه أيد نظرية محاربة السكريات ضد نظرية محاربة الدهنيات. وقال: إنه فعل ذلك بسبب مجال تخصصه؛ وجبات تخفيض الكربوهيدرات (حلويات، كيك، خبز.. إلخ).
وقال إن «الدهون في خضراوات (مثل الزيتون)، وفي حيوانات (مثل الأسماك)، يمكن أن تحمي الشخص ضد أمراض القلب. وأصبح واضحا، وموثقا، أنه حتى الدهن في شريحة لحم عادية يمكن أن يكون مفيدا أو مضرا». ومال هو نحو الفائدة.
وقال د. ماريون نيستل، أستاذ التغذية في جامعة نيويورك: «كان الهدف هو إذا خفض الناس الدهون، سوف يستبدلون بها الفواكه والخضراوات. لكن، كان هذا هدفا ساذجا. استبدلوا بها الأيس كريم، والكيك، والكعك، والبيبسي كولا والكوكاكولا المشبعة بالسكر».
وأضاف أن البحوث الجديدة أثبتت أن الاستهلاك المفرط للكربوهيدرات، والنشويات، والسكريات هو المسؤول الأول عن زيادة السمنة والسكري، وذلك لأنها تشجع الجسم على تخزين السعرات الحرارية في صورة شحوم، وأنها تزيد الجوع. وتوجد نظرية «خوف الكربوهيدرات»، التي تقول إنها تجعل الجسم يخاف من الجوع، ولهذا، يخزنها، ولهذا يريد أكل مزيد منها.
وقال د. روبرت لستيج، طبيب أطفال في جامعة كاليفورنيا: «فقط، استبدلنا مرضا بمرض آخر. كان التركيز قصير النظر على الدهون هو سبب التوتر (ربما الإحباط) في حياتنا الغذائية. وساهم في أكبر الأزمات الصحية التي تواجه البلاد (السمنة). لهذا، حان الوقت لإنهاء هذه الحرب».
المصدر: واشنطن: محمد علي صالح – الشرق الأوسط