كاتبة سعودية
يعاني عدد كبير من السيدات حول العالم من التحرش بأنواعه، ويضطر كثير من السيدات العربيات والخليجيات بصفة خاصة، إلى عدم الإفصاح عنه أمام الآخرين لكيلا تُظلم وتُتهم كالعادة، ويُعد التحرش (اللفظي) من أكثر أنواع التحرش الذي تتعرض له المرأة العربية بشكل مستمر و تواجهه، إما بالصمت، أو بالهروب من الموقف الذي يخدش حياءها أو يحرجها، وتتباين عبارات التحرش اللفظي في أماكن العمل على سبيل المثال ما بين تعليقات مسيئة ذات إيحاءات محرجة أو دعابات تحمل في طياتها رسائل غير مباشرة ، أو التعمد بطرح أسئلة خاصة محرجة، لذلك تجد كثيراً من السيدات يلجأن إلى السكوت خوفاً من فقدان الوظيفة، خاصة إذا كان المسيء ذا (منصب نافذ) أو خوفًا من (كلام الناس) وهذا الأسوأ، وستجد بين أي مجموعة من النساء على الأقل النصف ممن لهن تجربة مباشرة مع تلك النوعية من الإساءة اللفظية، هذا إن لم تكن أغلب المجموعة قد تعرضن له في فترة ما في حياتهن، ويُعد الاستفزاز بعبارات خادشة للحياء من أبسط الجرائم اليومية التي تتم جهاراً و في الخفاء، وتتكرر بشكل شبه يومي في محيط تحرك المرأة سواء كانت عاملة، أو ربة منزل، أو حتى طالبة!
و كثير من السيدات اللواتي يخشين تداعيات شكواهن في أماكن العمل، فإذا تشجعت إحداهن وقدمت شكوى مستندة إلى قانون المنشأة التي تعمل فيها، كمن تطلق النار على نفسها، وهذا ما حصل حين قررت إحدى الموظفات تقديم شكوى في موظف بسبب إساءته اللفظية التي تكررت، حيث صُدمت بردة فعل رئيسها الجارحة حين قال: (المرأة المحترمة لا تتكلم في هذه المواضيع أو تشكو منها درءاً للفضائح التي ستلحق بها والعار الذي ستسببه لأسرتها)، و لأن الخلطة التي تتبناها ثقافة المجتمع الشرقي مُكتنزة بالظلم والجهل، تجدها تبرر مسبقاً تلك الجرائم التي تكون الأنثى أحد أطرافها، قبل بداية التحقيقات، لتستمر ثقافة العيب أقوى وأهم من الحلال والحرام!
كان عمل النساء في العهد النبوي شائعاً، فكانت تركب الجياد وتخرج للغزو وتشارك في عمليات تطبيب الجرحى، وتقوم على المرضى في جيوش المسلمين دون حرج، بل كانت تعمل في الزراعة، والصناعات اليدوية، وتتاجر وتبيع وتشتري، ولم يجرؤ الناس على التطاول عليها في زمن كانوا للتو خرجوا فيه من عصر الجاهلية، وربما كان الوازع الديني للمؤمن وقتها أقوى من أن يُحرِكهُ حُسنُ امرأة!
وتتشابه قصص السيدات العربيات في نفس ردة الفعل، سواء كانت تتعرض له في العمل، أو في محيط الأسرة، أو في السوق أو حتى في الشارع أو أثناء انتقالها من مكان لآخر، ولا تسلم منه حتى وهي برفقة زوجها، حيث تستقبل الإساءة بصمت، ثم بمحاولة الهروب أو الخروج من الموقف، وهذا ما حصل في حادثة متحرشي مجمع الظهران التي كشفت بشاعة الموروث المترهل وتدني التربية حين استقوى هؤلاء المعتدون مجاهرين بجرمهم دون ذرة خوف، ثم محاولة ابتعاد الطرف الآخر من الموقف، الذي تفاقم لغياب المروءة والشهامة من المشهد، ليتجاوز مرحلة التحرش اللفظي و الملاسنة إلى التطاول باليد ثم محاولة التحرش الجسدي جهاراً، ومع ذلك مازالت مجموعة (تمثل نفسها) مصرة بأن الفتاة دائماً السبب، وعلى الرغم من أن المقطع الذي شاهده المئات يبين كيف خرج من المجمع مجموعة كبيرة من المتفرجين يمشون وراءهن كالجثث التي تخرج من القبور (الزومبي) لكي يصورون الحدث، ولم تصدر أي مبادرة للتدخل لإيقاف المعتدي في انهيار تام لآخر ذرة من الأخلاق، ويُعد الحُكم الذي صدر ضد الأحداث المتحرشين إعلاناً مبهماً، بأن العقوبة بالمرصاد لكل من يسيء الأدب.
كنت أنتظر مع أبنائي أمام أحد المحلات وقت صلاة العشاء في السيارة، فلفتت نظري امرأة تمشي مسرعة وآخر وراءها يلمزُها بألفاظ نابية وعبارات خادشة للحياء وهو يضحك بجنون مع اثنين آخرين كانت مهمتهم إطلاق ضحكات رقيعة مساندة، ظلت تمشي مسرعة باتجاه سيارتها الواقفة نهاية التقاطع الذي يقع على زاويته مسجد تتعالى من مكبراته صوت إقامة صلاة العشاء، استمر بالتلفظ عليها أمام المارة المتجهين للصلاة دون أن تتحرك الدماء في عروقهم، وكأن الشهامة ماتت في قلوب الناس، انتهت «الفاتحة» .. لتقطع المرأة الطريق للجهة الأخرى، فظل يمشي بمحاذاتها مع صديقيه على الجانب الآخر يقذفها بكلمات قاتلة للحياء، وما إن ارتفع صوت الإمام بـ«سمع الله لمن حمده«، حتى أسرع مع رفاقه إلى المسجد ليدركوا الركعة الأولى…مع الجماعة ! لذلك من الأفضل أن (تهذبوا رجالكم قبل أن تهذبوا نساءكم … فإن عجزتم عن الرجال…. فأنتم عن النساءِ أعجزُ) .
المصدر: صحيفة الشرق