رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
الكوارث التي يمر بها الوطن العربي حالياً لها مسببات عدة، لكن هل يخطر ببال أحد أن أخطر مشكلة تواجه العالم العربي والإسلامي هي نقص المعرفة وقلة القراءة؟ وهل يعرف الكثيرون أنه بسبب هذه المشكلة وصلنا إلى حالة التفتت والتطاحن والتنافر إلى درجة الاقتتال بطائفية مقيتة، وبسببها ظهر التشدد والتعنت الذي حوّل العقول إلى درجة صلابة تفوق صلابة الحجارة، وبسبب ذلك وُجد ذلك الإنسان العربي المنغلق الذي يحمل عقلاً مؤجراً للآخرين، لا يستخدمه إلا لتنفيذ الأوامر الواردة من سارقي هذه العقول؟!
لذلك كان هناك مشروع «إماراتي» المنشأ، «عربي» الأهداف، بسيط في فكرته، عظيم في فائدته، يسعى إلى خلق جيل جديد من الشباب العربي المتحصن بالقراءة، ويهدف إلى خلق منظومة قراءة جديدة في الوطن العربي، قراءة تنبذ العنف والتطرف، وتقرّب الشعوب إلى بعضها، وتهدم جميع الأفكار الهدّامة والمخرّبة التي تسببت في جميع مآسينا وكوارثنا الداخلية والخارجية!
مشروع «تحدي القراءة العربي»، هو أكبر مشروع عربي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، لتشجيع القراءة لدى الطلاب في العالم العربي، عبر التزام أكثر من مليون طالب بالمشاركة في قراءة خمسين مليون كتاب خلال كل عام دراسي.
التحدي هو الميزة، وبه تشكلت منافسة للقراءة باللغة العربية، يشارك فيها الطلبة من الصف الأول الابتدائي، حتى الصف الثاني عشر من المدارس المشاركة عبر العالم العربي، تبدأ من شهر سبتمبر كل عام، حتى شهر مارس من العام التالي، ويتدرج خلالها الطلاب المشاركون عبر خمس مراحل، تتضمن كل مرحلة قراءة عشرة كتب وتلخيصها في جوازات التحدي، وبعد الانتهاء من القراءة والتلخيص، تبدأ مراحل التصفيات وفق معايير معتمدة، وتتم على مستوى المدارس والمناطق التعليمية، ثم مستوى الأقطار العربية وصولاً إلى التصفيات النهائية التي تُعقد في دبي سنوياً في شهر مايو.
مشروع لا أروع ولا أهم منه، تكلفته المالية غير مرتفعة مقارنة بحجم الفائدة، وحجم الإنجاز الذي حققه إلى الآن، والمتوقع تحقيقه مستقبلاً بشكل مضاعف، فيه تحفيز وتشجيع غير طبيعي للطفل والطالب والمعلم والمدرسة والأسرة، الجميع يعيش التحدي، فالطالب الفائز له 150 ألف دولار، ومدير المدرسة كذلك له 100 ألف دولار، والمعلم المختص له نصيب، وأسرة الطالب الفائز لها 50 ألف دولار، إنها ليست أرقاماً فلكية، لكنها بالتأكيد كافية لتغيير حياة طالب عربي فقير وأسرته في مختلف أنحاء الوطن العربي المملوءة بالمشكلات، والأهم من ذلك تحصينه وتحصين عشرات آلاف الطلبة من خلال نشر المعرفة والوعي!
50 ألف طالب في «تحدي القراءة العربي» إلى الآن قرأوا 5 ملايين كتاب، هل يمكن أن يستوعب عقل بشري حجم الفائدة المعرفية التي حصل عليها هؤلاء الطلبة؟ وهل يمكن تصور كيفية تأثير هذه القراءة في شخصية كل طالب منهم؟ وهل يمكن قياس أثر التغييرات المجتمعية التي ستطرأ على مجتمع يتضمن عشرات الآلاف من الطلبة المثقفين؟ بالتأكيد لا توجد مقاييس تستوعب هذا التغيير، لكن الدول والمجتمعات العربية حتماً ستشعر به قريباً!
هكذا هي الإمارات، نقطة إشعاع حضارية، ونقطة ضوء تنبعث وسط محيط مظلم، وهكذا هو محمد بن راشد، يشعل شموع الأمل، ولا يعرف اليأس، في حين أن كثيرين استسلموا لليأس، ومازالوا يلعنون الظلام!
المصدر: الإمارات اليوم