مدير تحرير صحيفة الجزيرة
سمتان أساسيتان انتهجهما الملك سلمان بن عبدالعزيز في سياسته الداخلية؛ الإنتاجية والحسم. الإنتاجية القائمة على الإدارة الفاعلة والمخطط الذي يقره مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، هي المرتكز للعلاقة مع المسؤول. والحسم هو القضاء الكلي على معوقات الإنتاج، سواء كانت في المقومات أم الأشخاص، ثم دعم هذا النهج بسلسلة من الإجراءات التطويرية التي تهاجم البيروقراطية وتمنعها من بث الكسل والتراخي في النبض الحكومي.
الملك سلمان أدرى الناس بمهمات أمير المنطقة وحدود حركته. فهو لم يحقق الإنجازات الفريدة لمنطقة الرياض إلا من خلال شخصيته وقوته وحضوره، أما التركيبة الحالية فهي معوقة لأمير المنطقة من حيث ارتباط المشاريع بالوزارات المعنية. لا يمكن لأمير منطقة أن يضع سلسلة أولويات تنموية ذاتية إلا عبر القرار المركزي للوزارات، فهو لا يقرر افتتاح مدرسة أو مستشفى إلا بموافقة الوزير المعني. الوزارات ذاتها تصرف موازناتها بطريقة تقرر مركزياً، ثم تخضع لإشراف «المالية» واشتراطات مندوبيها.
وفق المتغيرات الفاعلة التي أحدثها الملك سلمان في أقل من 100 يوم، بدءاً من برنامج تخسيس «المالية» وعودتها إلى الرشاقة المفترضة في وزارة خزانة، ومن ثم فصل «أرامكو» عن «البترول»، وما ينتظر الأخيرة من تعديلات تلبسها ثوب الطاقة، فإن نظام المناطق يحتاج إلى مزيد من المرونة والحرية، بحيث تكون الموازنة مناطقية وفق المتطلبات التي يقرّها أمير المنطقة ومجلساها.
من المفترض أن يضع أمير المنطقة أولويات التنمية لديه وفق خطة عملية، بالتنسيق مع الوزارات ذات الصلة، يدرسها مجلس الشؤون الاقتصادية، فإذا أوصى بإقرارها تتولى الوزارات توفير متطلباتها.
إذا تحققت هذه الفرضية ستتغير الصورة القائمة للمناطق، وتتحول إلى فاعلة وصانعة قرار بدلاً من ملاحقة الوزارات والجدل معها حول الحاجات. ستتحرر المناطق ويصبح أمير المنطقة صاحب رؤية وخطة عمل، يستهدف أن تكون منطقته سياحية أو صناعية أو زراعية، ويغذيها بالإمكانات التي تسرّع وتيرتها، وتمنحها صفة تنموية بدلاً من اقتصار هويتها على الحال الاجتماعية.
في وثائقي «العربية» أشار الأمير محمد بن سلمان إلى ما يشبه دمج مجالس المناطق والبلدية لتكون مجالس تنمية وصنع قرار، ما يعني أن هذا التوجه، بعيداً عن الشكل النهائي، هو فكرة قائمة وربما اكتمل درسها وتحديد ملامحها.
مشروع تطوير مكة لم يتبلور عملياً إلا بعد إنشاء هيئة عليا تتجاوز تعقيدات العلاقات مع الوزارات وأولوياتها الخاصة، وهو الوضع الذي تتطلبه كل منطقة أخرى.
كل منطقة في حاجة إلى هوية خاصة، فلا يكون الموقع الجغرافي هو العلامة الفاصلة، بل تعبر عنها سماتها المعمارية وتفاصيلها التخطيطية، واستثمار إمكاناتها، وتعزيز نشاطاتها الأكثر حضوراً وقوة.
حين يتم فك الارتباط بين الأمير والوزير ستستعيد كل منطقة حيويتها وجاذبيتها، لأن أهلها هم الأكثر دراية بمكامن قوتها الخاصة.
المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Jasser-AlJasser/9212368