رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
مازالت فوضى التحليلات والتفسيرات السياسية تجتاح وسائل التواصل الاجتماعي، بل أصبحت مشاعاً لكل من يملك حساباً على أي موقع تواصل اجتماعي، وبغض النظر عن خلفيته الثقافية، أو طبيعة عمله، أو درجته العلمية، وخطورة ذلك تكمن في فقدان كثير من هذه التحليلات التوازن والمعلومات الحقيقية، واعتمادها على شائعات أو ملاحظات سطحية مضللة، أو غير دقيقة!
وتالياً، فهي في الغالب تعمل على إثارة حساسيات إقليمية وخارجية، وتؤدي إلى تشويه سمعة وسياسة الدولة، لأنه وفي الغالب يتم الحكم على كل «تغريدة» من خلال «جنسية» المغرّد، وعندها يكون الردّ على الدولة التي ينتمي إليها، لا عليه هو شخصياً، حتى وإن كان لا يتمتع بأي صفة رسمية، أو لربما يكون نكرة في المجتمع، لا يعرفه أحد، ولا يتابعه كثيرون، ومع ذلك فقد يتسبب في ضرر كبير لدولته!
لسنا مع مصادرة حق الناس في التعبير عن آرائهم، وحرية التعبير مكفولة لكل إنسان، ومن حق أي فرد في المجتمع أن ينشئ حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن هناك فرقاً كبيراً بين التعبير عن الرأي، والتحليلات السياسية المرتبطة بمواقف وسياسات تقرّها الحكومة، لا الأفراد، فالدولة عندما تقرّر اتخاذ موقف ما، أو إجراء سياسي، أو تحرك أو تصعيد أو تهدئة، فهي تقرر ذلك بناء على معلومات ودراسات وخبايا لا يعرفها المواطن العادي، ولا يمكن اكتشافها عبر أخبار سياسية تُنشر هنا وهناك، كما أن الدولة تمتلك الأدوات السياسية والدبلوماسية والإعلامية، وتمتلك قنوات رسمية وغير رسمية لإيصال رسائلها وملاحظاتها، والتعبير عن مواقفها، وظهور بعض «العنتريات» أو «المزايدات» غير المدروسة ولا المحسوبة على وسائل التواصل الاجتماعي، قد تضرّ الدولة ولا تنفعها، وقد تأتي بنتائج عكسية تماماً، خلاف ما يظن صاحبها!
لقد قالها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وبكل وضوح، وبشكل مباشر لا يقبل التشكيك أو إعادة التفكير، قالها ونشرها وسطرتها الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، وبثتها كل الشبكات ومحطات التلفزة الداخلية والخارجية، وذلك عبر «رسالة الموسم الجديد» التي وجّهها لكل مغرّد أو مستخدم إماراتي لوسائل التواصل الاجتماعي، لقد أشار إلى هذه المشكلة، وقال بالحرف الواحد: «العبث والفوضى على وسائل التواصل الاجتماعي، تأكل من منجزات تعبت آلاف فرق العمل من أجل بنائها. سمعة دولة الإمارات ليست مشاعاً لكل من يريد زيادة المتابعين. لدينا وزارة للخارجية معنية بإدارة ملفاتنا الخارجية، والتحدث باسمنا، والتعبير عن مواقفنا في السياسة الخارجية للدولة، وإحدى مهامها الأساسية أيضاً الحفاظ على رصيد المصداقية والسمعة الطيبة، الذي بنته الإمارات مع دول وشعوب العالم.. لن نسمح بأن تعبث مجموعة من المغرّدين بإرث زايد، الذي بناه لنا من المصداقية وحبّ الشعوب واحترامها. صورة الإمارات والإماراتي لابد أن تبقى ناصعة كما بناها وأرادها زايد».
فهل هناك أوضح من ذلك؟ وهل هناك أي داعٍ لأن يزج كل مغرّد اسم دولته في كل تغريدة، ويتحدث نيابة عن وزارة الخارجية؟ وهل هناك داعٍ للتحليلات السياسية غير الدقيقة، التي لا تحمل سوى فكر صاحبها، ولا تعبّر أبداً عن فكر وسياسة الدولة؟ ومتى يفرّق بعضهم بين الكتابات الشخصية التي يمتلك حق كتابتها في أي وقت، والآراء السياسية التي قد تفسّر بأنها مرتبطة بموقف الدولة؟!
المصدر: الامارات اليوم