حاصل على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع الجنائي - جامعة مانشستر عام 1996. خلال عامي 1997 و 1998عمل رئيساً لقسم المحليات في مؤسسة البيان للصحافة والطباعة والنشر. شغل منصب رئيس قسم البحوث والتخطيط بمؤسسة " البيان " للصحافة خلال الفترة من 1999الى 2002. من مؤلفاته: "في رحاب الإمام الشافعي" و "في رحاب الإمام أحمد" و"الخليج رؤى مستقبلية".
نادراً ما نسمع عن أوروبا غير مستقرة أو تعاني مثلاً من أزمات مستفحلة وقليلاً ما يتم تداول مصطلح الكارثة أو المصيبة الكبرى أو المشكلة الأكبر في أدبيات هذه القارة الماضية في طريق الاتحاد الكلي منذ أكثر من نصف قرن.
إلا أن الأوضاع الداخلية، فيما بين دول الاتحاد الأوروبي لم تعد كذلك منذ أن أطلت الأزمة المالية علينا بوجهها المغبر في عام 2008، وقبل ذلك في 1928، فهذه التواريخ ليست عابرة في تأثيراتها المستقبلية، بل غائرة في عمق النظام الأوروبي الذي يعاني اليوم من مشاغبات روسيا في شرقه المستقل والمحتل في آن.
الذي يقود الاتحاد الأوروبي فعلياً ومالياً في هذه الآونة الحرجة هي بلا مواربة ألمانيا صاحبة الصناعات الثقيلة في وزنها السياسي، فالشروط الألمانية التقشفية قصمت ظهور أكثر من دولة عضوة في الاتحاد، وعلى رأسها اليونان التي اختارت لنفسها رئيساً يسارياً قصياً، فهو الذي عليه تحمل خروج اليونان من الاتحاد بسبب تراكمات الديون والقروض التي ضُخت لانتشالها قبل الوصول إلى الإعلان الرسمي عن إفلاسها، إلا أن الانتخابات الأخيرة يبدو أنها ستغير اليونان بشكل أحادي لتحتمل النتيجة وحدها من دون منطقة «اليورو».
في المجمل تبقى اليونان وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا وكذلك بريطانيا، هي الرمال المتحركة في القارة الأوروبية، التي لا تعاني من وجود رمال الرياح ولا العواصف كبقية القارات في أفريقيا وآسيا، حيث الصحارى السياسية القاحلة أحياناً أو النادرة في أمطار التغيير فيها.
كيف حال الاتحاد الأوروبي لو خرجت تلك الدول من إساره، وخطت لها من جديد مساراً آخر لم يكن في الحسبان عندما اتحدت بجسد الأمم الأوروبية الكبرى.
فالاجتماع الخاص باليونان مع الاتحاد الأوروبي بخصوص جدولة الديون أو حتى إعفائها جزئياً لم يسفر عن شيء يذكر فخرج الجميع بلا قرار، بل الأصح التعليق كان هو سيد الموقف حتى حين.
قد يظن البعض أن «الربيع العربي» المشؤوم هو الحدث الأوحد في العالم، لا طبعاً، لأن التركيز على العالم العربي وإرهابه هو الذي يسيطر على المشهد الإعلامي والسياسي اللحظي، إلا أن إعادة النظر فيما يحدث في أوروبا التي تبحث لها عن وحدة كبرى أمام قوة الولايات المتحدة وسطوتها في العالم بحاجة إلى تأمل عن قرب.
فأوروبا اليوم ليست أوروبا الأمس بكل تأكيد، فالتيار اليميني الغارق في التطرف السياسي هو المقابل الواضح والمشهود أمام التطرف الديني والفكري في العالم العربي، فطرفا المعادلة يجران أو يسحبان ذات الخيط في اتجاه واحد يوشك أن ينقطع هذا الحبل إذا لم يجد من يرخي لحظة لمصلحة العالم أجمع وليس ألمانيا فقط أو حتى أميركا.
فالمشهد الأوروبي اليوم غير مطمئن نسبياً، وهو لا يرى إلا إغراقاً ومبالغة شديدة في رفع راية اليمين المتطرف إلى أقصى حد سواء فيما يتعلق بالإساءات المتوالية والمتتابعة للأديان أو حتى الشخوص المقدسة في العالم باسم حرية التعبير إلا أن حجم الانتقادات لهذا الشبح المتطرف في النقد أيضاً زاد سقفه، بل لم يعد له سقف معروف فهو أقرب إلى الفوضى الفكرية والسياسية منه إلى العقلانية الأوروبية، التي نشأت عليها الحضارة الغربية بعدما أعتقت نفسها من ربقة الكنيسة، التي كانت تتحكم في رقاب الشعوب والأباطرة باسم الإله الواحد الأوحد.
فالصورة الأوروبية المتحركة اليوم تنم أن وراء الأكمة ما وراءها، فهو شيء ينذر بأمر غير متوقع، وقد يكون عصياً على التوقع لدى الخبراء والمحللين الضالعين في القضايا الأوروبية منذ سنين.
ولا نعتقد أن خروج دولة من هذا الاتحاد الأوروبي بعد القتال السياسي لعقود من أجل التوصل إلى ما وصلت إليه أوروبا سيؤثر على الدولة «المتمردة» على الاتحاد الأوروبي فحسب، بل إن الاتحاد برمته قد يتأثر إذا ما تحركت الرمال تجاه الدول التي تعاني من داء اليونان.
المصدر: الإتحاد
http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=83720