كاتب وإعلامي سعودي
الحب بجميع أشكاله العذري وغير العذري مطارد ومرغوب فيه بين كل شعوب الأرض، وتغنّت به كل الشعوب وصورته في ملاحمها الشعرية قديماً وحديثاً، خصوصاً في ثقافتنا العربية ما قبل الإسلام وما بعده.
الحب حال إنسانية ستبقى ما دام الإنسان باقياً، وحاولت الأديان وأخلاقيات المجتمعات تهذيب سلوكياته، ولكن الحب حال «تمرد» بجماله على كل ذلك، وكم نركض لقراءة الروايات الرومانسية التي يكون الحب محورها في مطلع شبابنا، ونظل نتابع الأفلام السينمائية العربية والأجنبية التي تصوّر قصص الحب والغرام التي قد تعوّض معايشة الحب على أرض الواقع، أي أن الحب الإنساني ومنه العاطفي يهذّب النفس ويرتقي بها إلى أعلى درجات الخيال والتضحية والعذابات، وبيئتنا المحلية خلدت الكثير من قصص الحب وتوارثتها الأجيال في قصص شعبية ترويها الجدات والأمهات، وذهب غالب شعرنا العربي من الفصيح والشعبي وبقيت قصائد الحب وقصصه الجميلة!
الحب حال إنسانية صافية باقية تعبّر عن مكنونات النفس البشرية، وكم تسمرنا أمام شاشات التلفزة نتابع قصص الحب والغرام ومعاناة المحبين وفراقهم، في لحظة من هذا الزمن يأتي من يحارب الحب ويحاول أن يجعله حالاً «إجرامية»، وكأننا شعوب هذه المنطقة حرّم علينا الحب، وقد لا أكون مبالغاً إذا قلت إن التشدد والتطرف في مجتمعاتنا هو بسبب قتلنا لمفهوم الحب في حياتنا، وقد تكون الحياة بائسة ومملة وجامدة المشاعر متى ما حورب الحب في ثقافتنا.
البعض لدينا، وللأسف الشديد، صوّر الحب في حياتنا المعاصرة بيوم واحد تحتفل به شعوب العالم وتطلق عليه «يوم الحب» أو (الفالتتين)، ونتذكر كيف تتم محاربة بيع الورود الحمراء في مدننا كلها من أجل محاربة الحب وطقوسه ويومه، وخفت الحال في الأعوام القليلة الماضية، ولكن الحب باقٍ والورود الحمراء تباع في إصرار على إنسانية شعوب هذه المنطقة من العالم، ولكن الخبر عن محاكمة مجموعة أفراد وصدور أحكام مشددة عليهم بسبب احتفالهم بعيد الحب في إحدى المناطق السعودية، وصلت إلى سجنهم عشرات السنوات وجلدهم آلاف الجلدات، بتهمة القبض عليهم وهم يحتفلون بعيد الحب وبحوزتهم أدوات ذات لون أحمر من شموع وورود حمراء، وبعد تناقل الخبر في الإعلام المحلي وعبوره حدود المملكة وضّحت وزارة العدل أن ملابسات القضية أبعد من ذلك، وأنا أستغرب من هذا التوضيح المتأخر، هل هو بسبب الضجة وتلقف الرأي العام لتلك الأحكام؟ وتم إعطاء معلومات أكثر عن ظروف وملابسات تلك القضية. والعجيب أن التوضيح يذكر أن التشديد في تلك الأحكام كان بسبب أن بعض المدانين في تلك القضية هم من رجال الأمن، والتساؤل وحتى لو كانوا كذلك فإنه تجب محاكمتهم بصفتهم المدنية وقد مثلوا أمام محكمة «غير عسكرية»!
ما علينا، فقد تسبب الاحتفال بعيد الحب من هؤلاء في خلق مشكلات اجتماعية أخرى لمن لهم علاقة بالمتهمين والذين أصبحوا مدانين وصدرت في حقهم تلك الأحكام القاسية.
اللعنة على «الحب وطروقه» الذي خلق في زماننا يحارب فيه ويسجن ويجلد من يفكر فيه، علينا أن نعيش الحب خارج حدود مكاننا فهو أسلم وأستر، ولكن يظل تمرد العشاق وعنادهم هو ديدن الإنسان، والغريب أننا نسمع ونقرأ الإحصاءات التي تصدرها الجهات ذات العلاقة التي تضبط وتراقب سلوك البشر بأنها تتوخى الستر في القضايا التي تضبطها، فلماذا لم تستر على هؤلاء العشاق والمحبين؟ أم أن ذلك بسبب الاحتفال بعيد الحب (الفالنتاين)، الذي هو عادة غربية وغزو فكري كما يردد البعض! فرحم الله الدكتور غازي القصيبي الذي أعطى الحب حقه على رغم الألم الذي لا يزال من يحلمون به في هذا الزمن المتوحش، وقال هذه الكلمات المعبّرة عن الحب في بلادنا:
فاتنةٌ أنتِ مثل الرياض
ترق ملامحها في المَطرْ
وقاسيةٌ أنتِ مثل الرياض
تعذب عشّاقها بالضجر
المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Akel-Il-Akel/4194649