كاتب إماراتي
في دراسة أجرتها الدكتورة بدرية الجنيبي، من جامعة الإمارات، ونشرتها صحيفة «ذا ناشيونال» قبل يومين، اكتشفت أن نسبة كبيرة من الطلبة يشاهدون مسلسلات أجنبية مدبلجة. حيث قال 54% من الـ500 شخص الذين خضعوا للدراسة، إنهم يتابعون مسلسلات تركية، وقال 18% إنهم يشاهدون مسلسلات كورية، و14% يشاهدون مسلسلات هندية، كلها مدبلجة إلى اللغة العربية.
لكن متابعة الدراما التركية ليست جديدة، فمنذ أن أطلّ نور ومهند على المشاهد العربي في قصة مليئة بالرومانسية والعاطفة، إلى قدوم حريم السلطان سليمان القانوني الذي غزا العالم مرتين، مرة في القرن السادس عشر، ثم في القرن الحادي والعشرين، منذ ذلك الوقت والدراما العربية في انحسار مقابل الدراما التركية، ولذلك لا عجب من قول الدكتورة نجاة السعيد، من جامعة زايد، التي أجرت دراسة حول شهرة المسلسلات التركية: «إن سبب شهرتها بين نساء الوطن العربي هو الرومانسية التي يجدنها فيها، الأمر الذي يفتقدنه في العالم العربي!»، ولا شك أن تلك العواطف مبالغ فيها جداً.
إلا أن الحق يُقال؛ لقد نجح الأتراك في غزو العقل العربي في السنوات العشر الأخيرة من خلال الدراما، فإنتاجهم عالي الجودة، ويلعبون على وتر التاريخ الذي يحاولون تقديم أنفسهم فيه على أنهم حاملو لواء الإسلام والأمة. لكن قراءة سريعة للتاريخ العثماني تُرينا أنه كان أسوأ تاريخ مرّ على المنطقة العربية. فالسلطان سليمان القانوني الذي تغنّى به العرب بعد أن شاهدوا المسلسل – متجاهلين ولعه بالجواري وقتله ابنيه مصطفى وبايزيد وأحفاده الخمسة، وكل من شك فيهم – عندما فكر أن يحول الكتابة في دواوينه الموجودة في العواصم العربية إلى لغة الشعب، اعترض عليه الفقهاء في إسطنبول وأصروا على أن يبقوا الدواوين باللغة التركية، فصار لهم ما يريدون. ويقول حسن قبلان في كتابه «الحنين إلى الاستبداد» إن الخلافة العثمانية شهدت تعاقب سبعة وثلاثين خليفة ولم يقم أي منهم بأداء فريضة الحج!
أما الكاتب عوني فرسخ فإنه ينفي صحة قول «إن العثمانيين حالوا دون سيطرة قوى الاستعمار الأوروبي على الوطن العربي»، حيث وقف كل من المملكة المغربية وسلطنة عمان في وجه الغزاة الأوروبيين من دون أن تقف معهما الدولة العثمانية، بينما تم احتلال كل من الجزائر وتونس ومصر وليبيا وجنوب اليمن، وكلها كانت تابعة للإمبراطورية العثمانية!
التاريخ مليء بالأدلة على أن الخلافة العثمانية كانت كارثة على الإنسان العربي الذي تعلم منها شرب «المعسّل» ولعب الطاولة ولبس الطربوش، وانتهت به الحال «مُخَوْزَقاً» على استبدادها. لكنني لا ألوم منتجي تلك الدراما، فلقد أجادوا الإنتاج وأحسنوا استغلال العاطفة، اللوم على المنتجين العرب، وبعض شبكات التلفزة العربية التي تقوم بإعادة اجترار مسلسلات الحزن والطلاق والمخدرات والخيانة والقصص التي تملأ شاشات رمضان كل عام.
رغم أن تاريخ المنطقة العربية، والخليج على وجه الخصوص، يحفظ آلاف القصص الملحمية والسرديات التي تصلح أن تكون مسلسلات تاريخية ورومانسية وسياسية وغيرها، عندما سألتُ أحد كُتّاب النصوص التلفزيونية عن سبب غيابها، قال إن المنتجين العرب يخشون المغامرة بإنتاج ضخم من وحي المنطقة، والأسهل على القنوات الفضائية أن تشتري وتُدبلج وتعرض. ربما آن الأوان لكي نعيد قراءة التاريخ أولاً، ثم نعيد رسم خريطة الإنتاج الدرامي العربي.
المصدر: الإمارات اليوم