كلما رأينا شخصاً مسنّاً، رجلاً أو امرأة، وقد بدأ يغزوه الخرف والهذيان تذكّرنا مرحلة (أرذل العمر) في حياة الإنسان التي وردت في الآية الكريمة: «وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ ۚ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً».

التفسير الجاهز لدينا دوماً لمفهوم أرذل العمر هو العودة إلى عمر الطفل وعقله.

هل عقل المسن – المخرّف هو حقاً مثل عقل الطفل، أم هو أفضل أم أسوأ؟

يشترك عقل الطفل وعقل المخرّف في تواضع قدراتهما على معرفة الأشياء وتفسيرها وطريقة استخدامها. قد يبدو للوهلة الأولى أن عقل المسن أقدر وأفهم من عقل الطفل بحكم ما بقي في ذاكرته من تجارب الحياة. هذا صحيح حتى الوصول إلى نقطة التقاء بين القدرتين العقليتين، تنطلق بعدها عقلية الطفل في التفوق.

ما ننساه عند التشبيه بين عقل الطفل الجاهل وعقل المسن المخرّف هو إلى أين تسير عقلية كل واحدٍ منهما؟

في عقل الطفل، تزداد الخلايا العصبية كل يوم نمواً وتطوراً، بالتالي تعلّماً واكتساباً للمعرفة، فيومه أفضل من أمسه، وغده أفضل من يومه، فعقله وإدراكه وفهمه الأوامر والنواهي تزداد تقبّلاً وتطوراً.

في عقل المسن، يحدث العكس تماماً، إذ تزداد الخلايا العصبية ضموراً وتلفاً يوماً بعد يوم، فهو لا يغدو فقط عاجزاً عن تذكّر المهارات الحياتية التي كان يتقنها، بل ويصبح أيضاً غير قادر على تعلّمها من جديد عبر الأوامر والنواهي التي تتوالى عليه من مُساكنيه، لأن عقله لم يعد يمتلك القدرة التي يمتلكها عقل الطفل في تخزين المعلومة الجديدة.

ما يعني أن عقل المخرّف أرذل من عقل الطفل، فهذا يصعد إلى الأعلى ويتطور وذاك يهبط إلى الأسفل ويتدهور.

لذا، قال تعالى، في آيةٍ أخرى: «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً». فالطفولة يُعجزها الضَّعف، أما الشيخوخة فيغزوها عَجزان هما الضعف والشيبة. ما يؤكد أن عقل المخرّف يصبح، في مرحلة متقدمة، أرذل من عقل الطفل.

فيا من في بيتهم مُسن:

توقّفوا عن توجيهه وإرشاده، وتجنبوا توبيخه على أخطائه، وابتعدوا من (تربيته) كما تُربّون أطفالكم فهو شيءٌ آخر غير الطفل!

المسنّ حين يهرم لا يعود في حاجة إلى تعليم أو توجيه أو إرشاد، بل في حاجة إلى شيء واحد فقط، هو: المساعدة.

المصدر: الحياة