كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة
أتنقل بين إمارتي دبي وأبوظبي عبر شارع الشيخ مكتوم بن راشد الواصل بين الإمارتين منذ عقود تكاد تكمل الأربعة. ولست وحدي الذي يفعل هذا، فقد كبُرْتُ وكبُرَتْ أجيال مع هذا الشارع، قبل أن يُطلق عليه اسم الشيخ مكتوم بن راشد، عليه رحمة الله، وبعده. وقد واكبت تطوره، منذ أن كان شارعاً واحدا ًغير مضاء ليلاً، تستخدمه السيارات الذاهبة والراجعة في اتجاهين متقابلين.
ولا ترى حولك وأنت تسير فيه إلا أرضاً قفراً خالية من أي بناء وبشر، ومنذ أن كان «برج راشد» الذي توارى الآن خلف ناطحات سحاب شارع الشيخ زايد آخر من يودعنا ونحن نغادر دبي، وأول من يستقبلنا ونحن نصل إليها، وحتى أصبح شارعاً مزدوجاً من حارتين في كل ناحية، إلى أن غدا هذا الشارع الفسيح، ذا الحارات المتعددة، الذي نستخدمه الآن، تحيل الأضواءُ ليلَه نهاراً، وتنتشر على جانبيه المنشآت والموانيء والمصانع والمجمعات السكنية، بحيث لا نشعر أننا انتقلنا من مدينة إلى مدينة.
ولو أتيح لي أن أصور فيلماً بتقنية الفاصل الزمني ((Time-lapse لمسيرة تطور هذا الشارع، لخرجت بعمل فني جميل، يرصد مسيرة تطور طرق الإمارات عبر خمسين عاماً من الزمن. لكنني اكتشفت أن ثمة عملاً ضخماً يجري جنوب هذا الشارع، لا يبدو للعين ونحن نستخدم هذا الطريق ذهاباً وإياباً بين الإمارتين الجميلتين.
تشرفت يوم الإثنين الماضي بحضور اللقاء التشاوري حول إكسبو 2020 دبي، الذي عقدته معالي وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي ريم الهاشمي، المدير العام لمكتب إكسبو 2020 دبي، مع عدد من القيادات الإعلامية في الدولة، لبحث أحدث الاستعدادات لاستقبال الحدث الدولي الأضخم الذي يُنظَّم للمرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا.
والذي سيكون أكبر «إكسبو» في التاريخ من حيث عدد الزوار الدوليين، إذ من المتوقع أن يأتي 70% من زواره من خارج دولة الإمارات لحضور فعالياته، وخرجت من اللقاء فخوراً بمعالي الوزيرة والفريق الذي يعمل معها.
ما يلفت النظر عند الوصول إلى منطقة «دبي الجنوب» المجاورة لمطار آل مكتوم الدولي، حيث يجري العمل على قدم وساق لإقامة المعرض، هو كمية الأعمال التي تجري في محيط المكان، وحجم ما أنجز منها حتى الآن. وهي أعمال تدل على أن ما أنجزه الفريق الذي تقوده معالي الوزيرة كبير، وتؤكد أن لدينا كفاءات إدارية وتنفيذية قادرة على إثبات أن«المستحيل ليس في قاموسنا..
وليس جزءًا من تفكيرنا.. ولن يكون جزءًا من مستقبلنا» مثلما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وهو يطلق وزارة اللامستحيل يوم الثلاثاء الماضي. كما يؤكد أن دبي تسعى إلى كسر الأرقام المسجلة حتى الآن في تاريخ المعرض، وهي قد كسرت فعلاً بعض هذه الأرقام، مثل عدد الدول التي أكدت مشاركتها.
والذي بلغ 190 دولة، إلى جانب ما يزيد على 200 مشارك. وقد لفت نظري عدد العاملين، الذين يوجد منهم حالياً في الموقع حوالي 37 ألف عامل، من المتوقع أن يرتفع في أوج مراحل البناء ليبلغ 40 ألف عامل، بما في ذلك العمال التابعون للشركات التي تتعاقد معها الدول التي تبني أجنحتها على حسابها، والتي تفضل أن تنتهي من بناء هذه الأجنحة قبل افتتاح المعرض بفترة قصيرة، كي تحتفظ بعنصر المفاجأة والإبهار لمنافسيها وزوارها، الأمر الذي يدل على حرص المشاركين في المعرض على تقديم أفضل ما لديهم.
بحسب بيانات صادرة من مكتب إكسبو 2020 دبي، فإن أكثر من 95 مليون ساعة عمل في الموقع تم إنجازها حتى منتصف شهر إبريل الجاري، ومن المتوقع، وفق دراسة أجرتها شركة التدقيق والاستشارات المالية إرنست ويونغ، أن تبلغ مساهمة إكسبو 2020 دبي في الناتج المحلي لدولة الإمارات 122.6 مليار درهم خلال الفترة بين عامي 2013 و2031.
وتوقعت الدراسة أن يتيح إكسبو 2020 دبي نحو 49700 وظيفة بدوام كامل سنوياً، على مدى 18 عاماً خلال الفترة بين عامي 2013 و2031. هذه الأرقام، ومعلومات وأرقام أخرى ذكرتها معالي ريم الهاشمي أثناء اللقاء، تؤكد أن ما يجري في «دبي الجنوب» معجزة أخرى من المعجزات التي تقدمها دبي إلى العالم، لتثبت أن «اللا مستحيل» موجود على أرض الواقع في دولة الإمارات.
وأنه ليس حلماً يعدنا القادة بتحقيقه بعد ألف سنة ضوئية، مثلما يفعل قادة كُثْرٌ، يعدون مواطنيهم بمشاريع ومنجزات تظل معلقة في خزانة الخيال، تتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل، لأن «واقعنا الذي نعيشه اليوم في الإمارات هو نتاج أفكار غير تقليدية لقادة غير تقليديين» مثلما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وهو يدشن وزارة «اللامستحيل» الجديدة.
ما رأيته خلال الجولة التي نظمها لنا فريق معالي ريم الهاشمي في موقع «إكسبو 2020 دبي» بمنطقة «دبي الجنوب» هو «اللامستحيل» بعينه.
وإذا كان بعض الكُتّاب العرب قد أشادوا بالوزارة الجديدة، واعتبروها فكرة خارج الصندوق، وقالوا إنها خارجة عن المألوف، فذلك لأن دولة الإمارات نفسها دولة خارج الصندوق، لا تعترف بالمستحيل، ولا تؤمن بالأفكار التقليدية، في جعبة قادتها الكثير من الأفكار غير المألوفة التي سيبهرون بها العالم في المستقبل، أما أولئك الخرّاصون الذين نفثوا سمومهم كعادتهم، فلا نقول لهم سوى موتوا بغيظكم فكرةً بعد فكرة.
المصدر: البيان