في ظل عقلانية الدبلوماسية الإماراتية.. لا خيار للعرب اليوم سوى السلام مع إسرائيل

آراء

خاص لـ هات بوست: 

إن المتغيرات الإقليمية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط اليوم،إضافة إلى المتغيرات العالمية والتحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية،كلها كانت عوامل دافعة لاعتبار السلام مع إسرائيل خيار استراتيجي من الضروري الأخذ به من أجل حماية المصالح الداخلية والخارجية والتصدي للتهديدات المتواصلة التي ألقت بظلالها على المواقف العربية اليوم من مسألة السلام فغيرت زاويا النظر إليه كمسألة مهمة وضرورية تفتح الباب أمام رسم خارطة جديدة لشرق أوسط جديد تتغير فيه التحالفات الإقليمية وتفرض دخول “لاعب” جديد وقوي على مستويات عدة من أجل رؤية مستقبلية واستشرافية تأخذ في عين الاعتبار الوجود الواقعي لإسرائيل في المنطقة..

لا بديل للعرب عن السلام مع إسرائيل 

إن الحقوق لا تسترد بالقوة أو بالشعارات الجوفاء التي طالما أطلقت لسنوات ولم تحل الأزمة،فالعرب وبعد 25 سنة من اتفاق أوسلو لم يحققوا تقدما ملموسا على أرض الواقع بل توالت هزائمهم بصفة متكررة نظرا لتشبثهم بالخيار العسكري الذي كشف جليا مدى قوة الجانب الإسرائيلي والضعف والوهن العربي،فأختل بذلك ميزان القوى،فكان لابد من النظر للأمر بأكثر واقعية والعمل على تحريك المياه الراكدة والذهاب للسلام الذي يقتضي اليوم أن يتمتع المفاوض الفلسطيني بقدر كبير من المسؤولية والواجب تجاه قضيته،وأن يكون على موقف موحد بعيدا عن الحسابات الشخصية والحسابات السياسية بين الأطياف الفلسطينية،إذ أن الشعب الفلسطيني يستحق قيادة أفضل،قيادة أكثر نضج على المستوى الدبلوماسي والسياسي وأكثر عقلانية في التحاور والتفاوض من أجل استرجاع الحقوق المسلوبة،إضافة إلى أنه من الضروري اليوم على العرب جميعا أن يدركوا أنهم يواجهون جميعا دون استثناء الخطر الإيراني والتركي الذي لا يتوانى عن إلحاق الضرر بكل دول المنطقة عبر نشر الفتنة والفوضى وتغذية مشاعر الطائفية والأحقاد بين الجميع بما يضمن له استمرارية مخططه التدميري التوسعي على حساب دول الجوار وغيرها من الدول العربية،وهو ما يدعو اليوم إلى الإقرار بأن الخطوة التاريخية التي اتخذتها دولة الإمارات العربية المتحدة إلى جانب البحرين،بعقد اتفاق سلام مع إسرائيل إنما هي خطوة شجاعة وذكية في توقيت له دلالاته السياسية والإستراتيجية وله ارتباط وثيق بالوضع الإقليمي وصلة مباشرة بالاعتبارات الخاصة..الأمر الذي يدعو كذلك بقية الدول العربية للنظر للمسألة بأكثر عقلانية وفهم الأمر الواقع والمتغيرات الإقليمية التي تحيط بها لتدرك جيدا أنه لا خيار لها غير مد يدها للسلام مع إسرائيل..

دولة الإمارات وعقلانية الخيارات الإستراتيجية

اتسمت الخطوات الدبلوماسية والخيارات الإستراتيجية لدولة الإمارات مؤخرا بالعقلانية إزاء كل المتغيرات الإقليمية والعالمية،فكان الإعلان عن اتفاق السلام مع إسرائيل في توقيت له دلالات سياسية وإستراتيجية،منها ما هو يرتبط بالوضع الإقليمي، ومنها ما له صلة مباشرة بالاعتبارات الخاصة لدولة الإمارات..فالمتابع للوضع العربي اليوم يمكن له أن يكتشف بسهولة تامة حالة التشتت والتمزق والوهن والضعف الشديد في التعامل مع كل الأوضاع الداخلية والخارجية،إضافة إلى الخطر الإيراني والتركي،الذي تسعى عبره هذه الدول لفرض أجنداتها الخاصة في المنطقة في حالة من التصارع والتقاتل بخصوص المصالح المتضاربة في عدد من الدول وما تجده من مساندات داخلية لبعض التوابع الذي يسترزقون من وراء ما تغدقه عليهم كل منهما لتنفيذ مخططاتها الإرهابية والإستعمارية/التوسعية،وما تجده في هؤلاء الذي لا هم لهم سوى مصالحهم الشخصية على حساب الأوطان..كما لا يمكن لنا أن نغفل مسألة العلاقات الدبلوماسية التي تتطلع دولة الإمارات لعقدها باعتبارها دولة قوية ولها وزن على عدة مستويات في المنطقة،وهو ما جعلها ترفض أن تبقى حبيسة سياسيات عربية قائمة على المواربة والرياء والتردد والضعف وتجاهل واقعية الأمور مع اختزال الخطر الذي يهدد وجودها في المنطقة،اختزاله في وجود إسرائيل دون غيرها،بينما واقع الأمر يكشف تكالب القوى المتآمرة للنيل من وجودها،وهو ما دفع دولة الإمارات والبحرين ــــ في انتظار التحاق دول أخرى ــــ دفعهم للنظر للأمور بأكثر واقعية فكان التوجه العقلاني نحو مد اليد للسلام الذي لا بديل عنه اليوم كإجراء دبلوماسي واستراتيجي/استشرافي..إلى جانب هذه التهديدات الإقليمية،فقد أدركت دولة الإمارات جيدا ـــ وهو ما يطلب من بقية الدول العربية اليوم أن تدركه ـــ أنها ليس في مأمن من الاستهداف الإيراني لها نظر للدور الإقليمي الذي أضحت دولة الإمارات تلعبه في المنطقة والدور العالمي الذي برزت عبره كدولة متقدمة ذات مشروع تقدمي وحداثي يتخذ من تنمية الوطن والنهوض به هدفا،فأصبحت ذلك قصة نجاح يحكيها الجميع وأرض حلم يتوق لها شباب المنطقة لضمان فرص حياة أفضل على جميع المستويات،الأمر الذي جعل منسوب العداء الإيراني والتركي وكل من يدور في فلكهما،منسوب مرتفع يهدد استقرارها وأمنها،دون أن ننسى أن إيران كانت قد استولت على جزر تابعة لدولة الإمارات وهو أمر يخشى أن يترجم فيما بعد لتدخلات في الشأن الداخلي للبلاد،وهو أمر انتبهت له دولة الإمارات وسعت إلى العمل جاهدة للعمل على حماية حدودها ومصالحها الداخلية والخارجية،وفي ذات السياق نجد أن الجانب التركي لا يتوانى في الفترة الأخيرة على توجيه تهديدات صريحة لدولة الإمارات وهو ما ساهم في عملها على اتخاذ هذه القرارات الإستراتيجية وهو أمر على بقية الدول العربية الانتباه له جيدا فالجانب الإيراني والتركي لن يكتفي بما فعله وما يفعله اليوم في المنطقة ــ رغم الهزائم والانحدار الذي يشهده مخططهما ـــ إلا انه على الجميع اليوم التأكد من أن إيران وتركيا هما العدو المشترك اليوم الذي يتربص بالجميع ويقتنص الفرص لتهديد استقرار الكل..ورغم ما نسمعه اليوم من البعض حول توقيت هذا الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي ـــ البحريني الذي لا يخلو من أجندة أمريكية،حيث يوظفه الرئيس دونالد ترامب في حملته الانتخابية لكسب تأييد اللوبي اليهودي وتسخيره لفائدة ترشيحه لمواجهة خصمه المرشح الديمقراطي إضافة لاستفادة رئيس الوزراء الإسرائيلي من ذلك لاعتبارات سياسية وشخصية،إلا أنه يجب الإقرار أن اتفاق السلام والمضي قدماً في إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، إنما هو اتفاق شامل سيضم عناصر متعددة في مجالات الاقتصاد، والاستثمار والتعاون في المجال الصحي والأمني، وغيرها من القضايا محل الاهتمام المشترك بينهما..وأن هذا التوجه الإماراتي نحو علاقات السلام مع إسرائيل لا شك في أنه سيجد مؤيدين كما سيجد معارضين،لكن الأهم من كل ذلك هو أن اتفاق “ابراهام”،في هذه المرحلة جاء متناغما مع ما دعت له المبادرة العربية في قمة بيروت و استكمالاً لما تم عربياً من قبل،وليس خروجاً عن السياق العام،إضافة لاعتماده على خيار السلام الاقتصادي،في الوقت الذي نجد فيه الجانب الفلسطيني رافض للدخول في مفاوضات جديدة برعاية أمريكية ومتحفظا على ما جاء في “مؤتمر السلام من أجل الازدهار” الذي نظمته الولايات المتحدة في المنامة السنة الفارطة،ونتيجة لذلك تم تجميد عملية المفاوضات لفترة طويلة،مما زاد من معاناة الشعب الفلسطيني أكثر،لحين تدخلت الدبلوماسية الإماراتية عبر خطوات ذكية وإستراتيجية استشرافية بواسطة قنوات ومسارات دبلوماسية مختلفة وعلنية عملت على تحريك عملية السلام في المنطقة لخدمة للقضية الفلسطينية التي كانت قد شهدت ركودا وتقهقرا كبير نتيجة تعنت القيادة الفلسطينية الحالية التي ترفض التعامل مع الأمر بواقعية المتغيرات الإقليمية والعالمية وترفض معالجة الأزمة بآليات عصرية حديثة مكتفية بآلياتها التقليدية لضمان حماية مصالحها الشخصية..

الإمارات مركز سياسي واستراتيجي في المنطقة

لا يمكن لأي كان اليوم أن ينكر الدور الكبير الذي أصبحت تلعبه دولة الإمارات العربية المتحدة في المنطقة حيث أضحت محوراً لكثير من السياسات العربية والإقليمية،الأمر الذي دفع بالجانب الإسرائيلي إلى المسارعة نحوها من أجل التوصل لاتفاق للسلام،في ضوء المقاربات متعددة الأوجه لوزن الإمارات الإقليمي والعالمي وهو ما سيخدم البلدين في ظل المركز الاقتصادي والسياسي والإستراتيجي الذي تحتله اليوم وهو ما جعلها تدخل هذا الاتفاق إلى جانب الطرف الإسرائيلي بثقة في قدراتها على التفاوض من موقع قوة افتقدته بقية الدول العربية طيلة سنوات خلت في مفاوضاتها مع الجانب الإسرائيلي..ودخلت دولة الإمارات هذا الاتفاق عبر قنوات دبلوماسية معلنة ورسمية شارك فيها كبار المسؤولين،الأمر الذي يكشف للجميع اليوم مدى جدية وصدقية الجانب الإماراتي في تعامله الجديد مع الأزمات في المنطقة والعالم واتخاذه لسياسية خاصة يستشرف عبرها المستقبل برؤية جادة وعقلانية وواقعية وهو ما على بقية الدول العربية اليوم فعله لمواجهة متغيرات المنطقة والعالم والتهديدات التي لا يمكن أن تكون أي دولة في المنطقة في مأمن منها،الأمر الذي يفرض التعامل بآليات مختلفة عن آليات الماضي وفتح أبواب التعامل الدبلوماسي والاقتصادي والثقافي والسياسي والعلمي مع الجانب الإسرائيلي الذي حقق نجاحات كبرى في هذه المجالات تحتاجها الدول العربية من أجل تنمية وتطوير الفرص أمام شعوبها التي تعاني أزمات عدة بينما تتمسك الحكومات بمقاربات تجاوزها الزمن ولم تجن من وراءها سوى مزيد من الصراعات والتقاتل،وهو أمر يدعو إلى تعامل الدول العربية اليوم بشكل علني ورسمي مع إسرائيل عوض التعامل في السر والرفض في العلن،على الدول العربية اليوم دون استثناء أن تحذو حذو دولة الإمارات التي تعاملت مع إسرائيل بشكل معلن مر بالتعاون الرسمي في مواجهة أزمة كورونا، ثم عبر القنوات الدبلوماسية حيث كان لسفيرها في واشنطن يوسف العتيبة دورا هاما في التوصل لاتفاق السلام،إضافة لدور المستشار كوشنر، والسفير فريدمان من الجانب الأميركي الذين لعبا دور الوساطة لإنجاح التوصل للاتفاق المشترك،الذي كان من أهم بنوده وقف ضم الأراضي الفلسطينية من طرف إسرائيل وهو ما جعل الجميع يصفه بأنه إنجاز تاريخي في توقيت له دلالاته السياسية والإستراتيجية،مما سيفتح الباب أمام توجهات جديدة في مسار الصراع العربي الإسرائيلي بغض النظر عن قبول القيادة الفلسطينية الحالية بالأمر أو لا خاصة في ظل تنامي الدعوات مؤخرا بضرورة عمل الشعب الفلسطيني على تغيير هذه القيادة التي أصبحت تعاني عزلة خارجية إلى جانب أزماتها الداخلية،في ظل وجود قيادات شابة من الجيل الجديد ،التي تدعو إلى الإصلاح السياسي والتعامل العقلاني مع المتغيرات الإقليمية والدولية،ومن هذه القيادات نجد اسم القيادي محمد دحلان الذي يتم تداوله منذ مدة في بعض وسائل الإعلام العربية والإسرائيلية والعالمية كسياسي يجد القبول الدولي والدعم المحلي من أجل التوصل إلى حل واقعي وعقلاني لأزمة الشعب الفلسطيني التي طالت أكثر من اللازم..