كاتبة سعودية مقيمة في دبي
تشدد بعض الروايات في المأثور الاجتماعي على أن الإنسان عادة لا يغيّر طبعه، وأن العوج يبقى ما بقي هذا الإنسان، وهذا ما جعلني أتذكر نكتة الأب الذي زوّج ابنته وفق منهج «نحن لا نبيع بناتنا بل نشتري رجلاً»، ولهذا أصرَّ أن يكون مهر ابنته مبلغاً رمزياً هو ريال واحد، لكن الزوج أبو ريال هذا صار يعيّر زوجته بين حين وآخر، خصوصاً عندما يشتري علبة بيبسي فيضعها أمامه ويقول إن سعرك وسعر هذا العلبة واحد، حتى ضاقت الشابة بهذا الزوج الذي لم يرَ في رمزية مهرها سوى رخص بها، فاشتكت لوالدها، مما جعله يسرع لتصحيحه، فاحتجز ابنته حين جاءت لزيارته، وقال للزوج إن ابنتي لن تخرج معك حتى تأتي بأهلك وتدفع لها مهراً كبيراً، فرضخ الزوج لطلب الأب وجاء بأهله ودفعوا مبلغاً كبيراً كمهر، أملاً بأن يتربى هذا الزوج، لكن الزوج بعد هذه الحادثة لا ينادي زوجته إلا بيا مصنع بيبسي!
نتيجة «لا فائدة» هذه هي نفسها كانت نتيجة معهد ماساتشوستس التقني في كامبيردج (الولايات المتحدة)، الذي قال إن نزع الهاتف الخليوي (المحمول) من أيدي السائقين الذين تعودوا استخدامه أثناء القيادة لن يؤدي لخفض حوادث الطرق، واعتمدت هذه النتيجة على تجربة أخضعت 108 أشخاص لاختبار قيادة السيارة لمدة 40 دقيقة على طريق سريع شمال مدينة بوسطن، تحت رقابة أجهزة تتابع حركة عين السائق وجهاز لمراقبة قلبه وبشرته، إضافة إلى كاميرات فيديو ثبِّتت قبالة النوافذ الأمامية والخلفية وأجهزة تحسس داخل السيارة، مع منعهم طبعاً من استخدام الخليوي، لكنهم لاحظوا أن المجموعة التي اعتادت استخدام الهاتف أثناء القيادة بشكل متكرر، وعلى رغم عدم وجود هاتف معهم أثناء الاختبار، أظهروا دلائل تنم عن القيادة العنيفة في طبيعة تحركهم، فقادوا السيارة على نحو أسرع، وبدلوا الممرات التي يسلكونها تكراراً، وأمضوا وقتاً أطول على خط اليسار توخياً لمزيد من السرعة، ولجأوا لمناورات يصعب كبح الفرامل خلالها، وكذلك أفرطوا في السرعة.
وعلى رغم أنه ثبت علمياً أن استخدام الهاتف المحمول يقلل من القدرة على التحكم بحاجات القيادة، إلا أن منع السائقين – بحسب هذه التجربة – من استخدام الخليوي لن يقلل من الحوادث، بمعنى أنه من الجيد أن نتمكّن من إبعاد الخليوي عن أيدي السائقين، لكن هؤلاء ربما كانوا ممن سيتعرضون للحوادث على كل حال.
طبعاً لا يمكن تعميم هذه النتيجة على كل القوانين المرورية، فقد أثبت تطبيق كاميرات مراقبة السرعة في البلاد الخليجية انخفاضاً في معدل الحوادث، وكذلك منع استخدام الهاتف الخليوي، وربما أن هذا الانخفاض مرده إلى أن العاقلين الذين تورطوا في استخدام الأجهزة وهم من الفئة الذين لا يزال الرجاء فيهم معقوداً قد أفادتهم هذه القوانين وردتهم إلى عقولهم، بينما بقي الميؤوس منهم ماضين في تهورهم، وطالما أن الأمل لا يزال موجوداً فآمل بألا يحبطنا وجود من لا أمل منهم. عملاً بمبدأ «سددوا وقاربوا».