عمل محرراً في قسم الشؤون المحلية بصحيفة "أخبار الخليج" البحرينية، ثم محرراً في قسم الديسك ومحرراً للشؤون الخارجية مسؤولاً عن التغطيات الخارجية. وأصبح رئيساً لقسم الشؤون المحلية، ثم رئيساً لقسم الشؤون العربية والدولية ثم نائباً لمدير التحرير في صحيفة "الايام" البحرينية، ثم إنتقل للعمل مراسلاً لوكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) كما عمل محرراً في لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية.
في زيارته الاخيرة الى الهند، قام رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بزيارة نصب تذكاري لمذبحة إرتكبها الجيش البريطاني في العام 1919 في أمريستار بإقليم البنجاب ووضع إكليلاً من الزهور على نصب الضحايا. كتب كاميرون في سجل الزوار ان المذبحة كانت “مخزية” لكنه لم يقدم إعتذاراً عن هذه المذبحة التي وصفها المهاتما غاندي حينها بأنها قد “هزت أركان الامبراطورية البريطانية”.
هل هو نصف إعتذار أم شبه إعتذار؟ أيا كان الوصف المناسب لما قام به السيد كاميرون، فإن لفتته لم ترض الهنود حيث اعلن مسؤول صندوق تعويضات الضحايا ان كتابة بضع كلمات في دفتر الزيارات “بادرة ناقصة”.
قد يكون كاميرون أول رئيس وزراء بريطاني يقوم بمثل هذه الزيارة لموقع مذبحة ارتكبتها القوات البريطانية اثناء احتلالها للهند، لكن في العام 1997، قامت الملكة اليزابيث الثانية بزيارة مماثلة لهذا النصب أيضا ووضعت إكليلاً من الزهور هناك ولم تعتذر أيضا، فما الذي يحرك المسؤولين البريطانيين لزيارة هذا النصب التذكاري في الهند؟ هل هو العبء الثقيل لمشاعر الذنب؟ ربما، لكن اذا كان السيد كاميرون وغيره من المسؤولين البريطانيين في وارد التخلص من الفصول المأساوية في التاريخ الاستعماري لبريطانيا، فإن قائمة الاعتذارات او اللفتات المماثلة طويلة جداً.
لم تقدم بريطانيا أي إعتذار عن تاريخها الاستعماري الطويل، والأمر قد لا يتعلق بضحايا أو مذابح في هذا البلد أو ذاك، لكن في هذا التاريخ الاستعماري الطويل ما لا يحتمله ضمير سوي او يتقبله بأي مقياس أخلاقي. فقبل عامين من تلك المذبحة، أصدر موظف عمومي بريطاني برتبة وزير خارجية يدعى آرثر جميس بلفور في 2 نوفمبر 1917 إعلاناً جاء فيه “ان حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف لتأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين وسوف تبذل أقصى مساعيها لتسهيل انجاز هذا الهدف”. لم تتأخر المساعي كثيراً، ففي الشهر التالي ديسمبر 1917 كانت قوات الجنرال اللنبي قد إنتزعت مدينة القدس من قوات الشريف حسين.
ما يجعل هذا الحدث إستثنائياً بكل المقاييس الأخلاقية هو ان البريطانيين إحتلوا بلداً ومنحوا هذا البلد لشعب آخر وأبسط سؤال يمكن ان يطرح هنا هو: من أعطى البريطانيين الحق في منح ما لا يملكونه ولا حق لهم فيه لمن لا يستحق أصلا؟ أن يعطوا فلسطين لبضعة يهود أوروبيين من الحركة الصهيونية؟
إنه تاريخ ممتد من شلالات الدم والضحايا منذ 96 عاماً، ورغم هذا لم يحظ أي مسؤول بريطاني طيلة 96 عاماً بقدر قليل من الشجاعة الأخلاقية لكي ينطق بحرف أو بضع كلمات يخاطب بها الفلسطينيين الذين إقتلعوا من أرضهم وقدموا الضحايا عقداً تلو الآخر حتى اليوم بسبب قرار بريطاني، ولا حتى كلمات مثل تلك التي دونها كاميرون في سجل الزيارات لنصب مذبحة “جالينولاباغ” في أمريتسار، أي نصف إعتذار أو شبه إعتذار.
إذا كانت لفتتة مثل هذه حيال الفلسطينيين أمراً مستبعداً، فإن بإمكان الزعماء الغربيين أن يمارسوا شيئاً من مقاييسهم الأخلاقية حيال 5000 سجين فلسطيني في سجون اسرائيل دخلوا في إضراب عن الطعام بعد وفاة واحد منهم في الحجز قبل ايام خلت. فهؤلاء الزعماء الذين يكثرون من الضجيج بشكل إنتقائي حول أي سجين في بقاع عدة من العالم، يصابون بالخرس التام عندما يتعلق الأمر باسرائيل والفلسطينيين.
وبدلا من أن يسأل هؤلاء الزعماء الغربيون أنفسهم لماذا تحتجز اسرائيل 5000 فلسطيني في 18 سجناً، ولماذا توفي أحدهم في الاحتجاز، فإن علينا ان نسمع منهم أو من مبعوثيهم الذين يزوروننا، محاضرات طويلة عن حقوق الانسان وكيف يبررون حروبهم بإعتبارها الوسيلة لحماية الحريات وحقوق الانسان.
إن القاموس الغربي لحقوق الانسان والاخلاق لا يشمل الفلسطينيين بإعتبارهم ضحايا ولا الاسرائيليين باعتبارهم أسوأ المحتلين في التاريخ، فبالنسبة للغرب اسرائيل استثناء دوماً. ولمثل هذا النفاق الأخلاقي، قد يكون من الجيد لهؤلاء الزعماء الغربيين مشاهدة فيلم تسجيلي اسرائيلي بعنوان “الحراس” أنتج مؤخرا وشارك في مهرجان الاوسكار. في هذا الفيلم يتحدث ستة من الرؤساء السابقين لأسوأ وأقذر جهاز مخابرات في العالم هو جهاز “الشين بيت”، ويعترفون فيه بأن اسرائيل قد خسرت سياسيا وأخلاقيا باحتلالها للاراضي الفلسطينية.
في هذا الشريط، سوف يستمع السيد كاميرون وباقي الزعماء الغربيين الى شهادات هؤلاء الرؤساء الستة السابقين للجهاز الذي كان مسؤولاً عن ترسيخ الاحتلال الاسرائيلي وقمع النضال الفلسطيني من أجل الحرية بكل اشكال القمع الوحشي لعقود تصل الى ما يزيد على 50 عاماً. إنهم ينادون من أجل السلام مع الفلسطينيين وحث السياسيين الاسرائيليين على ذلك. لكن الأهم، وإذا كان هناك بقية من شك في التزام اسرائيل بقاموس حقوق الانسان والاخلاق الغربي، فإن على الزعماء الغربيين ان يستمعوا جيدا الى أبراهام شالوم أحد المتحدثين الستة في هذا الفيلم عندما يقول: “لقد أصبحت قلوبنا قاسية وتحولنا الى وحوش ضارية حيال الشعب الخاضع للاحتلال بحجة مكافحة الإرهاب”.
إن الاخلاق قد لا تصمد أمام المصالح، وإذا كان هدف مثل جعل الهند الشريك التجاري المفضل لبريطانيا وجذب أصوات اكثر من مليون ناخب بريطاني من أصل هندي قد يقدم تفسيراً للفتة كاميرون بوضع أكليل الزهور على نصب ضحايا مذبحة قامت بها القوات البريطانية وارح ضحيتها مئات الهنود، بإمكاننا أن نفهم لماذا سيخرس الزعماء الغربيون عندما يتعلق الأمر باسرائيل. فالزعماء الغربيون لا تحركهم سوى المصالح والمصالح فقط، أما الاخلاق فهي مجرد أداة للمساومات.
مترجماً عن “غلف نيوز- “Gulf News 26 فبراير 2013