رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
خطت دبي، الأسبوع الماضي، خطوة مهمة جداً، تساعدها على تحقيق نقلة نوعية نحو مستقبل جديد بثقة وفاعلية في مجال الشفافية ومكافحة الفساد وتبديد الأموال الحكومية، وذلك من خلال القانون الذي أصدره صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، والمتعلق بإنشاء جهاز الرقابة المالية.
القانون الجديد أسدى بمسؤولية رئاسة جهاز الرقابة المالية إلى ذلك الشخص الدقيق جداً، والحريص جداً، سمو الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد، والجهاز سيكون فاعلاً دون شك لأنه ببساطة مستقل تماماً ولا يتبع لأي جهة إدارية، ما يمنحه الصلاحيات الكاملة في ممارسة أعمال التحقيق والتدقيق بأريحية تامة.
الجهاز الجديد آلت إليه حُقوق والتزامات دائرة الرقابة الماليّة كافة، لكنه حتماً أكبر وأهم وأكثر اتساعاً في أعمال الرقابة المالية، فهو رغم أهميته في تعزيز النزاهة والشفافية، ومكافحة الفساد المالي والإداري بشتى صوره، فإن عمله لا يقتصر على رصد المخالفات والتجاوزات المالية والإدارية والتحقيق فيها فقط، بل تعدّى ذلك ليفحص القرارات والإجراءات الإدارية المتعلقة بالموارد البشرية من حيث التعيينات والترقيات ومنح المكافآت، وهذا أمر في غاية الأهمية لتقييد المديرين التنفيذيين وتقليص صلاحياتهم الواسعة في هذا المجال، والتي غالباً ما تحتاج إلى مراجعة وتوضيح، خصوصاً في ما يتعلق بمنح المكافآت والترقيات!
واللافت في قانون إصدار الجهاز أنه جاء شاملاً ويضم معظم المخالفات تقريباً، ولم يترك شيئاً للظروف أو المصادفة، بل جاء دقيقاً ومتكاملاً، ومن الأمور اللافتة فيه أنه لا يخالف المتعدّين على الأموال والمتلاعبين بالقوانين فقط، بل يخالف أيضاً كل من يرفض الإدلاء بأي معلومات بشأن أي تحقيق يُجريه الجهاز، وكل من يمتنع عن الرد على ملاحظات الجهاز أو مراسلاته، أو التأخّر في الرد عليه لمدّة تزيد على 30 يوماً، من دون عذر مقبول، وكل من يرفض تنفيذ أيٍّ من الطلبات أو التدابير التي يطلب الجهاز إجراءها، إضافة إلى كل من يتستر على أي واقعة أو حالة يستوجب القانون إحالتها إلى الجهاز للتحقيق فيها!
كما أن جهاز الرقابة المالية الجديد سيمارس مهامه من خلال آليات عمل مختلفة، ولن ينتظر الدوائر والمؤسسات والشركات الحكومية كي تفصح عن معلوماتها بشفافية، بل سيتحرك بشكل مباشر ومفاجئ فور وصول أي معلومة عن مخالفة أو حالة فساد أو تعدٍّ على المال العام، ما يعطيه ثقلاً جديداً، وقوة ردع وهيبة أمام كل من يخالف القانون بشكل متعمد أو غير متعمد، وسيجعل كل من تسوّل له نفسه التعدي على أموال الحكومة يراجع نفسه مئات المرات قبل أن يبدأ هذه الخطوة.
قانون جديد مميز حقاً، ودبي تستحق مثل هذه القوانين المتطورة التي تعزز الشفافية والنزاهة، وتكافح الفساد وتبديد الأموال ومحاولة التربح للنفس أو الغير من أموال الحكومة، وحبذا لو أن الجهاز الجديد يفتح أوجه اتصال مباشر بينه وبين جميع موظفي حكومة دبي من خلال أيٍّ من وسائل الاتصال أو التواصل لاستقبال الملاحظات، أو حتى البلاغات المباشرة، فصغار الموظفين في أحيان كثيرة يكشفون عن مخالفات وتجاوزات كبيرة!
المصدر:الإمارات اليوم