وجه عاملون بقطاع السياحة المصري دعوات لاشقائهم العرب لزيارة المقاصد السياحية المصرية خاصة منتجعات البحر الأحمر التي تأثرت بشكل قاتل باسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء في نهاية اكتوبر الماضي.
ويعول هؤلاء على قرار خادم الحرمين الشريفين باستمرار الطيران السعودي لشرم الشيخ للدلالة على ان المدينة السياحية المصرية الاشهر عالميا لاتزال تتمتع «بالأمن والأمان».
وأصبحت شرم الشيخ جوهرة السياحة المصرية الآن مدينة شبه مهجورة بعد ان أغلق كثير من فنادقها ومحلاتها أبوابها، وأصبح ممشاها الشهير بخليج نعمة معتم الانوار، ورغم موجة الاعتداءات التي بدأت عقب الاطاحة بالرئيس الاسبق محمد مرسي في يوليو 2013 التي تركز معظمها في شمال سيناء، إلا ان السياحة في منتجعات البحر الأحمر في جنوب سيناء لم تتأثر كثيرا بسبب بعدها عن أرض القتال، إلا ان إسقاط طائرة روسية فوق شبه جزيرة سيناء ومقتل كل ركابها الـ «٢٢٤» بعد دقائق من اقلاعها من مطار شرم الشيخ في أواخر اكتوبر الماضي، غيّر الموازين بعد ما أوقف عدد من البلدان الرحلات السياحية لشرم الشيخ تخوفا من تردي اجراءات الأمن.
واضطر عدد كبير من الفنادق لإغلاق أبوابها تماما أو تسريح نصف عمالتها تخفيضا للنفقات، وأصبح الممشى السياحي الشهير في خليج نعمة معتما مع اغلاق عدد كبير من المقاهي والبازارات التي كانت تعطي للمكان حيويته ونشاطه.
وفيما كان يباشر نقل بضاعته من محله الذي كتب عليه للبيع قال الاربعيني محمود مصطفى لـ «اليوم» باحباط: «موسم الشتاء انتهى بلا اي عائدات تقريبا.
لقد كان موسما سيئا للغاية».
وتابع فيما يشير لمحلات أخرى معلق على أبوابها المتربة لافتة «للبيع» : إن «الأمل في قدوم السياح العرب خلال الصيف، نحن في انتظار اشقائنا العرب لعل الله يصلح أمورنا».
مساع سعودية لحل الأزمة
وتعاني السياحة – وهي قطاع رئيس في الاقتصاد المصري – أصلا عدم الاستقرار السياسي والعنف الذي شهدته البلاد منذ الثورة التي أسقطت حسني مبارك في عام 2011، إلا انها تعرضت لضربة قاصمة بعد اسقاط الطائرة الروسية.
الهجوم الذي تبناه تنظيم داعش اثار ذعر روسيا وبريطانيا اللتين قررتا سحب مواطنيهما وأوقفتا – مع دول أخرى – الرحلات الجوية لشرم الشيخ.
وشكل السياح الروس والبريطانيون ٤٤٪ من اجمالي عدد السياح الوافدين لمصر في عام ٢٠١٤، حسب الارقام الرسمية، إلا ان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وجه باستمرار الرحلات السعودية الى شرم الشيخ، ما عده خبراء «قرارا عظيما من حليف كريم».
ولم تحذر السعودية رعاياها من السفر لمصر ومنتجعاتها السياحية كما فعلت عدة دول أخرى، وتواصلت الاستثمارات رغم ذلك، وهو ما يمثل أقوى رسالة ضد الإرهاب.
الاتجاه للسوق العربي
وكان وزير السياحة المصري السابق هشام زعزوع أكد في بيان – حصلت «اليوم» على نسخة منه – على تدشين حملة في السوق العربي وتقديم أسعار جاذبة وتنظيم زيارات ترويجية للسعودية والكويت والامارات والبحرين، بالإضافة إلى تيسير الحصول على تأشيرات السفر إلى مصر للقادمين من دول المغرب وتونس والجزائر، لافتا إلى أن الفترة المقبلة ستشهد تنفيذ أجندة أحداث ثقافية وفنية جاذبة للسياحة.
وتسعى الوزارة إلى ترويج السياحة عربيا وآسيويا وإفريقيا، حيث شدد وزير السياحة على أنه يجب أن يتم طرح طرق الترويج بطريقة عملية؛ لافتا إلى أن الحملات الدعائية ستقوم بالترويج للمقاصد السياحية المصرية المختلفة كل على حدة.
وقال خالد مصطفى مدير أحد الشركات السياحية الواقعة بميدان التحرير لـ «اليوم»: إن شركته «تعمل هذه الأيام على الترويج للسياحة العربية في ظل انعدام السياح الاجانب. نحاول ان نقدم عروض جيدة حتى لا يقف حالنا».
وأضاف : «السوق العربي أملنا الوحيد – بعد الله – الآن خاصة ان قرار العاهل السعودي باستمرار الطيران لشرم الشيخ أوصل رسالة بان جنوب سيناء آمنة، ويمكن السفر لها بشكل طبيعي».
الغردقة نائمة
وكحال الممشى السياحي في شرم الشيخ اغلقت البازارات أبوابها في أشهر الشوارع التي يرتادها السياح في الغردقة على البحر الأحمر.
وقبل منتصف الليل بدت الغردقة – التي كانت تسهر حتى ساعات الصباح الأولى – هادئة ومستعدة للنوم مبكرا. وبدا بهو فندق كبير في شارع الشيراتون المشهور في مدينة الغردقة خاليا تماما، الا من سائحين عجوزين يتسامران فيما كان موظفان باستقبال الفندق مشغولين باللعب على أجهزتهما المحمولة قتلا للوقت، حسبما شاهد مراسل «اليوم».
وبالقرب من هذا الفندق الذي بدا معتما من الخارج، أغلق نحو 70 بازارا سياحيا بعد إغلاق إحدى القرى السياحية التي تقوم بتأجير تلك البازارات.
وأدى القرار إلى تشريد مئات العاملين، كما تمتد آثاره إلى تخصصات أخرى من بينها محلات مجوهرات وشركات السياحة ومراكز الغوص، حسبما افاد مسؤول في المدينة. وبداية يناير الفائت حاول مسلحان يحملان أسلحة بيضاء قتل عدد من السياح في فندق بالغردقة.
وقال محمود منصور مدير هذا الفندق في الغردقة لـ «اليوم»: «حين بدأت السياحة في التعافي بدأنا استقبال افواج سياحية اكثر، ثم حدث هذا الهجوم الجبان، لم يمت أحد، لكنه أمر مضر بطبيعة الحال». وأضاف : «الاجانب خائفون بطبيعتهم ويكبرون الأمور بشكل مستفز. نتمنى ان يفهم أشقاؤنا العرب ان منتجعات البحر الأحمر هادئة وآمنة».
وتابع: «نحن نرحب بهم في الموسم الصيفي وسنستقبلهم افضل استقبال».
خسائر فادحة
الخسائر المادية لحادث الطائرة الروسية كانت فادحة،
وقال رئيس الوزراء المصري شريف إسماعيل في مقابلة تلفزيونية مطلع الشهر الجاري: إن إيرادات السياحة المصرية تراجعت نحو 1.3 مليار دولار منذ تحطم الطائرة الروسية في سيناء العام الماضي.
وزار مصر نحو 9.3 مليون سائح عام 2015 بانخفاض نسبته 15% مقارنة بالعام السابق، مقابل قرابة 15 مليونا في العام 2010، حسب الارقام الرسمية.
وبلغت الايرادات السياحية 6 مليارات عام 2015 مقابل 7,2 مليار عام 2014.
فيما أوضح الهامي الزيات رئيس الغرف السياحية، في تصريحات صحفية أن ٢٠ فندقا في الغردقة وشرم الشيخ أبلغتهم رسميا بقرار إغلاقها لعدم وجود حركة سياحية وافدة حتى الآن، لافتا إلى أن نسبة الاشغال في شرم والغردقة لا تتخطى 10 في المائة منذ حادث الطائرة الروسية، وهذا شكل عبئا على الفنادق بعد قرار عدد من الدول حظر السفر الى مصر.
انتظار الصيف
وكان آلاف السياح الأجانب يزورون يوميا منطقة الأهرامات الثلاثة، لكن هذا الرواج بات الآن مجرد ذكرى بعيدة، اذ اختفت حافلات السياحة التي كانت تزدحم بها ساحة انتظار السيارات، أما الفنادق التي كانت نسبة الاشغال فيها تصل الى مائة في المائة فأصبحت مهجورة.
وبعد عقود من الانتعاش والكسب الوفير ساد الركود حي الحسين التاريخي في قلب القاهرة مقصد مئات الالوف من السياح، والقاهرة أحد أهم مقاصد السياح العرب في مصر.
واعتاد السياح الأجانب والعرب على التجول بين مساجد الحي القديم الاثرية التي يعود تاريخ بعضها الى قرابة الف عام مضت وبين بازاراتها ومحلاتها العتيقة، حيث يتنافس الجميع في اقتناء الهدايا التذكارية.
يقف كريم حسام صاحب أحد هذه البازارات محبطا وتعيسا فيما كانت فتاة مصرية تحاول بشراسة تخفيض ثمن حلق فضي مع بائع بالمحل.
ويقول حسام وهو ينفض التراب من على مجسمات فرعونية وانتيكات إسلامية لـ «اليوم» : «منذ العام 2011 ونحن نخسر !! كنا نبحث عن الاستقرار السياسي حتى يعود السياح».
وأضاف: «لكن الأمر انتكس تماما بعد حادث الطائرة الروسية»، وأضاف الشاب العشريني الذي يساعد والده في المتجر منذ سنوات: «ننتظر شهور فصل الصيف بفارغ الصبر فهي الشهور التي يقبل فيها السائح العربي خاصة السعوديين والكويتيين على مصر».
المصدر: صحيفة اليوم