باحث سعودي
يوم تخرج شريف في كلية الصيدلة كان همه الوحيد هو البحث عن وظيفة مثل سائر الشبان. بعد تسعة أعوام من النجاح على مستوى الراتب والمكانة، سأل نفسه يوما: هل أستطيع تأسيس شركة مثل التي أعمل فيها؟ هذا السؤال استدعى جدلا داخليا حول احتمالات النجاح والفشل، مقارنة بوظيفته المريحة نسبيا.
الذين سمعوا شريف يتحدث عن فكرته، أخبروه عن تجارب من سبقوه وانتهى أمرهم إلى الإفلاس. بالنسبة لأولئك فإن الوظيفة تعني الأمان على المدى البعيد، دون تحمل مسؤوليات أو خوض مغامرات.
لكن هذا الشاب الذي اختبر سوق الدواء نحو عقد من الزمن أدرك – مثل قلة من الأذكياء المغامرين – أن طريق النجاح لا يمر عبر الأساليب العتيقة ولا قصص الفاشلين. ثمة دائما فرصة في مكان ما تنتظر من يخرط شوكها كي يجني ثمرها. البداية الصحيحة هي الانطلاق من المعرفة التي تجنيها في سنوات الدراسة. المعرفة التخصصية بموضوع العمل هي الجزء الأهم من رأس المال الذي تحتاج إليه.
بعد أربع سنين من تأسيس مشروعه الخاص اقتنع شريف أن تركه الوظيفة السابقة كان ربما أفضل قرار أقدم عليه في حياته. فهو الآن على بعد أسابيع قليلة من افتتاح مصنع جديد، حصل على معظم تمويله من “أرامكو”، وهو مصنع يفخر شريف بأنه سيسد حاجة ملموسة في القطاع الصحي وسيسهم في تنمية بلده. المسألة ببساطة أنك تستطيع تقديم خدمة جليلة لوطنك، بينما تحقق ــــ في الوقت نفسه ــــ أهدافك الشخصية.
يذكرني هذا بالمجادلة التي قدمها دانييل ليرنر في كتابه المرجعي “موت المجتمع التقليدي”. قارن ليرنر بين المجتمعات الخائبة التي تقيم مقابلة حدية بين المصلحة الشخصية والعامة وتجادل دائما حول أولوية هذه على تلك، في مقابل المجتمعات الحديثة والناهضة التي يطور أعضاؤها مسارات جديدة تجمع المصلحتين الخاصة والعامة. في هذا النوع من المجتمعات يخدم الناس مصالحهم الشخصية بينما يسهمون في تطوير المجتمع، يكافحون لفتح المنغلقات من أجل أنفسهم، لكنهم ـــ بهذا العمل ـــ يجعلون حياة الآخرين أسهل وأكثر قابلية للنجاح، يزيدون مكاسبهم الشخصية، ويسهمون في الوقت نفسه في تطوير اقتصاد البلد. تخبرنا بحوث التنمية الاجتماعية أيضا أن نسبة أصحاب الأعمال والعاملين لحسابهم self-employed إلى مجموع العاملين هي واحد من المؤشرات القوية للدلالة على نضج المجتمع وكفاءته. يتسم أفراد هذه الشريحة ــــ عادة ــــ بالشجاعة والقدرة على المساومة وصناعة التوافقات وابتكار الحلول، كما يطورون وسائل لإدارة الآخرين بالإقناع ومن دون استعمال أدوات السلطة كما في الوظائف الحكومية. نعرف من تاريخ العالم أيضا أن المدن التي تعيش على التجارة أكثر اعتدالا وانفتاحا وأكثر تنوعا وقدرة على التعامل مع المختلفين.
هل يكفي كل هذا لجعل تشجيع الشباب على خوض هذا التجربة هدفا من أهداف التعليم في بلادنا؟
المصدر: الاقتصادية
http://www.aleqt.com/2014/09/16/article_887286.html