مترجم بريطاني
لعل الكثير من القراء يعرفون أنني سبق لي أن عملت وأقمت في دبي في منتصف القرن الماضي، بعد أن عُينت مديراً للإذاعة المحلية في المنطقة، وكان قد ساورني الشعور بأن الوقت قد حان لقيام أحد ببذل جهد ضروري لتقديم مجلد يضم قصصاً أبدعها مؤلفون من المشيخات، التي تُشكّل اليوم دولة الإمارات العربية المتحدة.
وقد شعرت أنني باعتباري مديراً لمحطة الإذاعة المحلية، يتعين عليّ أن أحاول تجميع مجلد من هذه القصص وترجمتها بشكل مناسب إلى الإنجليزية، بما يظهر في نهاية المطاف أنه على هذه الأرض الطيبة يوجد مبدعون يتمتعون بموهبة يتعين أن تظهر ذاتها.
ومن الغريب أنني بينما كنت أفكر في هذا الأمر المتعلق بتقديم مثل هذا المجلد، طرأ على ذهني فجأة ودونما جهد عنوان محتمل لمثل هذه المجموعة، وهو “في صحراء خصبة”، وحدثت نفسي بأننا جميعاً لدينا في أعماقنا المادة الخام التي يمكن أن تحول إلى ما يسمى بالثقافة. وفي بعض الأحيان تأخذ شكل ما يعرف بالثقافة، بينما فكرة الثقافة في ذاتها، على نحو ما، معروفة عند العرب وغير معروفة في بعض أجزاء العالم الأخرى.
ومن المثير للاهتمام أنه في الثقافة على نحو ما تطورت في العالم الإسلامي، فإن فكرة كتابة قصة قصيرة عن أحداث لم تحدث في الحقيقة، لم ينظر إليها باعتبارها شيئاً يمكن تحويله إلى ثقافة.
وكان التاريخ والثقافة متباينين وليس هناك سطر واحد، نثراً أو شعراً، في كتابات العرب مخترع من رحاب الخيال. وإذا كان امرؤ القيس، مثلاً، قد كتب عن تجربة عاطفية بعينها، فإن هذا لا يعدو أن يكون وصفاً من قِبله لما حدث بالفعل، وإذا بدا متسماً بالطابع الشعري، فإن هذا يرجع إلى أن هذا الشاعر العربي العظيم يُجسّد مثل هذه اللغة ويستخدمها على نحو تلقائي وعفوي، تماماً كما يحدث عندما يلقي صديق على صديقه تحية الصباح فيما هو يمر به في طريق ما.
لهذا السبب فإن الكتاب الذي قدمته بعد عقود عدة للقارئ تحت هذا العنوان نفسه، أي “في صحراء خصبة”، قد طرح عليّ الصعوبات الخاصة به. وقد قمت برحلة في عمق الصحراء آنذاك، حيث التقيت برجل موغل في العمر اشتهر بأنه واحد من أبرز مبدعي الشعر النبطي، وما زلت أذكر أني جلست وشربت القهوة مع العجوز الذي كان ضريراً.
ومضى يلقي بلا توقف هذا الشعر الذي يعد جزءاً جوهرياً من الحياة الثقافية، على نحو ما وجدت في هذه المنطقة من العالم. وبعد أن استمر في إلقاء الشعر النبطي على امتداد ربع ساعة تقريباً، سألته عمن نظم هذا الشعر، فلم يحر الرجل جواباً، وبدا أن فكرة أن قصيدة بعينها قد نظمها شخص بذاته، هي مفهوم غريب.
وتصادف أنني أعرف واحداً أو اثنين ممن حاولوا إبداع القصة القصيرة، وهكذا فقد بدا جلياً أنني ينبغي في المقام الأول أن استشيرهما، وأتذكر أن المغفور له الأديب الإماراتي أحمد راشد ثاني قد دعاني لتناول طعام العشاء وتجاذب أطراف الحديث حول المغامرة التي كنت معنياً بها، وهي إصدار مجلد باللغة الإنجليزية يضم قصصاً لمبدعين من الإمارات، وكان أحمد راشد ثاني مفيداً للغاية بالنسبة لي في إنجاز هذا المشروع، حيث أمدني بالعديد من أسماء اصدقائه المبدعين.
وقد سبق ذلك بالطبع أن قمت باستشارة معالي محمد المر الذي قدم للمكتبة العربية 14 مجموعة قصصية، وكان الكاتب الوحيد من أبناء الإمارات الذي ترجمت أعماله إلى الإنجليزية بقلم صديقي بيتر كلارك. وبالفعل، ومن خلال السعي وراء النصح من أصدقاء كثيرين في اتحاد كتاب الإمارات، وفي المؤسسات الثقافية على امتداد الإمارات، تمكنت من العثور على حوالي 15 قصة نشرت على امتداد عقد من الزمن.
وقام أناس كثيرون لا أعرفهم بشكل شخصي، بإرسال مخطوطات قصص قصيرة لي، أظن أنهم كتبوها على أمل أن تثير اهتمامي وأن أجدها جديرة بالترجمة والنشر في المجلد المقترح، وبعض هذه القصص شق طريقه بالفعل إلى المجلد في النهاية.
وخلال ذلك الوقت، تمكنت شخصياً من لقاء بعض الكتاب مثل إبراهيم مبارك الذي اعتدت لقاءه في أحد مقاهي حي جميرا، وأيضاً محمد المزروعي الذي أصبح من أصدقائي، ودارت بيننا حوارات طويلة حول الثقافة في الإمارات، وحول عمله التشكيلي، وكان حارب الظاهري مفيداً كذلك في هذا المشروع، والتقيته مرات عدة مع الكاتبة الموهوبة مريم الساعدي، والتي أصبحت الآن كاتبة راسخة، وسبق هذا كله بالطبع لقاء صديقي العزيز محمد المر.
عثرت بالفعل على 20 قصة، وبمساعدة محمد المر تمكنت من الحصول على إذن من الفنان التشكيلي الإماراتي المبدع عبد القادر الريس، لاستخدام إحدى لوحاته لغلاف الكتاب.
بعد أن خلصت إلى أن هذا الكتاب ينبغي أيضاً أن ينشر في الإمارات، اتصلت بجمعة القبيسي مدير دار الكتب الوطنية، الذي أجرى الاتصالات الضرورية مع الجامعة الأميركية في القاهرة لطبع وإصدار أول مجلد يضم قصصاً من إبداع أبناء الإمارات، وقد أقيم احتفال كبير بإصدار هذا المجلد في إطار فعاليات معرض أبوظبي للكتاب، واتخذت أيضاً الإجراءات الضرورية لجعل الكتاب متاحاً للقراء في المملكة المتحدة التي صدرت لها طبعة خاصة منه، وكذلك الأمر بالنسبة للولايات المتحدة.
نشرت الطبعة الأولى من هذا المجلد عام 2009 من قبل مطبعة الجامعة الأميركية في القاهرة، التي كان صديقي الراحل مارك لينز يعمل مديراً لها. ومنذ صدور مجلدي الصغير هذا، برزت في الإمارات مواهب عديدة، والكثير من أصحاب هذه المواهب من النساء.
وقد التقيت بالكاتبة الموهوبة سارة الجروان، التي أهدتني أحدث أعمالها وهي رواية بعنوان “رسالة إلى سيدي السلطان”، خلال زيارتي الأخيرة في إطار فعاليات مهرجان طيران الإمارات للأدب قبل سنوات قلائل، ومن سوء الحظ أنني كنت آنذاك قد توقفت عن الترجمة.
وأتذكر بمزيد من الاهتمام العدد رقم 42 من مجلة “بانيبال”، المكرس للكتابات الجديدة من الإمارات ووضعية الرواية والشعر فيها. وقبل سنوات قلائل كانت دولة الإمارات ضيف شرف في مهرجان أصيلة في المغرب، واليوم لا يقام معرض دولي للكتاب دون حضور بارز لكتاب ومبدعي الإمارات، وهذا إنجاز كبير منذ صدور مجلدي المتواضع عام
المصدر: البيان