أزمة قطر ليست مفاجئة بالنسبة لأولئك الذين يتابعون الأحداث في الشرق الأوسط عن كثب، ويعرفون ما يكفي عن هذا الصعود المثير للفضول لهذا البلد الصغير، ليصبح لاعباً إقليمياً، وقد وصف العديد من مراقبي السياسة في الشرق الأوسط عملية صعود قطر وسقوطها، باعتبارها قصة طموحات فاشلة، لكن سياسة قطر أكثر تعقيداً.
النسخة المناسبة من القصة، هي أن قطر سعت إلى دور أكبر من حجمها في السياسة الإقليمية، ما أدى إلى اشتباك حتمي مع جارتها الأقوى (المملكة العربية السعودية)، ومع جيرانها الخليجيين الآخرين، بالإضافة إلى ذلك، طرح المتعاطفون مع السياسة القطرية حجة أن هذه الدولة الصغيرة والفخورة بنفسها، تتعرض لعقاب من قبل القوى العالمية والإقليمية، لسياساتها «المستقلة»، وعلاقاتها مع إيران و«المقاومة الفلسطينية»، المتمثلة في حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
ومع ذلك، فإن قطر التي يتم تصويرها على أنها بلد صغير خيالي، لم يكن لاعباً سياسياً ساذجاً، ولم يكن في وضع يمكنه من اتباع سياسة «مستقلة». على العكس من ذلك، قام الشيخ حمد بعزل والده، واخترع سياسة جديدة، و«علامة تجارية» قطرية، فقط بمساعدة حلفائه الغربيين الأقوياء. وهكذا، عندما حاول الأب، الشيخ خليفة، استعادة السلطة، جمّدت أصوله بمساعدة مكتب المحاماة «باتون بوجس» في واشنطن، عام 1996.
• بدأت المشكلة مع قطر بعد أن نسيت هذه القوة الصغيرة أنه بإمكانها فقط أن تلعب دوراً إقليمياً طالما كانت سياستها في تناغم مع القوى الغربية والخطط في المنطقة. لكن الدوحة ليست في وضع يسمح لها بالتحدي في السياسة الجديدة في سورية، والجهود الرامية إلى استعادة نوع من النظام في ليبيا.
ومنذ ذلك الحين، غيّرت قطر طريقة تعاملها، واستضافت أكبر قاعدة أميركية في المنطقة (العيديد)، وأسّست قناة الجزيرة المثيرة للجدل، وبدأت سياستها الخارجية شديدة الغموض باعتبارها «وسيطاً إقليمياً» مفترضاً. واستضافت قطر زعماء «الإخوان المسلمين»، والعديد من الشخصيات المعارضة الأخرى، وحتى أعضاء في حركة «طالبان»، كل ذلك دون المخاطرة بعلاقاتها الغربية، وفي الواقع، فإن هذا البلد الصغير شجعه حلفاؤه الأقوياء على الاضطلاع بهذا الدور.
بعد أن بدأت الأزمة السورية، واصل الحلفاء الغربيون تشجيع الدوحة على القيام بدور نشط، لتحقيق إزالة نظام بشار الأسد. في ذلك الوقت، تم عرض متطرفين وإرهابيين على أنهم «مقاتلين من أجل الحرية». في الوقت الذي لم تكن فيه قطر لديها أي نزاع مع القوى السنّية الأخرى التي تحولت أخيراً ضدها. في الواقع، انضمت قطر أيضاً إلى الصراع الداخلي في ليبيا.
بدأت المشكلة مع قطر بعد أن نسيت هذه القوة الصغيرة، أن بإمكانها فقط أن تلعب دوراً إقليمياً، طالما كانت سياستها في تناغم مع القوى الغربية والخطط في المنطقة. لكن الدوحة ليست في وضع يسمح لها بالتحدي في السياسة الجديدة في سورية، والجهود الرامية إلى استعادة نوع من النظام في ليبيا. ليس فقط لأن «المقاتل من أجل الحرية» بالنسبة لشخص آخر هو إرهابي، بل أيضاً لأن «المقاتل من أجل الحرية» بالأمس، يمكن تعريفه بأنه إرهابي اليوم، من قبل الجهات الفاعلة الدولية نفسها.
لم يكن لدى القطريين الوقت الكافي لتطوير أي إدراك للسياسة الدولية، بعد أن ظلوا مدللين من قبل الأقوياء لفترة طويلة. ولم يكن بإمكان حكام قطر أن يظنوا أن من منحهم مثل هذه الجوائز مثل حقوق استضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2022، سيبدؤون فجأة باتهامها أولاً بانتهاكاتها حقوق الإنسان، ومن ثم دعم التطرف والإرهاب. ولم تستطع القيادة السياسية في الدوحة أن تستوعب تماماً لماذا باتت هذه الإمارة القمعية الصغيرة، التي لا يوجد فيها حقوق إنسان أو أي مساحة للحرية، تمثل مشكلة حتى وقت قريب جداً، لتكتشف الأمر بعد فوات الأوان. وباختصار، فإن الخطأ الحقيقي في قطر هو أن حكامها اعتبروا صعود البلاد وقوتها، حقيقة وأمراً مسلّماً به.
نوراي ميرت – خبيرة وكاتبة سياسية تركية
المصدر: الإمارات اليوم