رئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط
رَمَت الرياض بالكرة في ملعب قطر، بعدما وافقت على إرسال سبع طائرات سعودية لنقل الحجاج القطريين مباشرة من الدوحة، وفتحت حدودها البرية استثناءً لمرور الراغبين في أداء الحج. أغلقت السعودية الباب جيداً أمام الرغبة العارمة للسلطات القطرية في عدم السماح لمواطنيها بالذهاب للأماكن المقدسة. تعلم الرياض جيداً أن الدوحة تبحث عن الأعذار منذ بداية أزمة قطع العلاقات لمنع حجاجها من تأدية الركن الخامس، ومع ذلك منَحَتْهم ما لم يُمنَح لغيرهم من الحجاج، حتى للسعوديين أنفسهم؛ بعدم مطالبتهم بتصاريح إلكترونية، واستضافَتْهم ضمن برنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين للحج والعمرة الذي يُستضاف فيه زعماء سياسيون ووزراء وعلماء ومثقفون من مختلف أنحاء العالم، ولم يكن ذلك مردّه إلا لعلم الرياض أن الحجاج القطريين لا ذنب لهم في استخدام حكومتهم لهذه الشعيرة الدينية الخالصة في أزمة سياسية، ومساعيها لاستخدام أداء القطريين للحج والعمرة كورقة في الخلاف السياسي بينها وبين السعودية.
لكن ما الذي يجعل الدوحة تستميت في منع حجاجها البالغ عددهم 1600 حاج؟ ولماذا تضع العراقيل الواحد بعد الآخر، وآخرها عدم منح التصريح للطائرات السعودية بالهبوط في مطار الدوحة؟ في تقديري توجد ثلاثة أسباب خلف استماتة الدوحة لتسييس المسألة، أولها أنها سَعَت مبكراً لرمي التهمة على السعودية دولياً، ظناً أنها قادرة على إيذائها، والتأثير على جهودها في خدمة ملايين الحجاج سنوياً، وبالطبع فشلت فشلاً ذريعاً، ولم يتجاوب معها أحد، حتى إيران وتركيا أقرب الحلفاء إليها، ناهيك باستغراب دولة مثل النرويج، لماذا يثار تسييس الحج معها، وهي ليست دولة إسلامية وليست أيضاً دولة محورية لكي تُقحَم في مثل هذا الموضوع الحساس، أما ثاني الأسباب فهو علم السلطات القطرية أنها خدعت مواطنيها عندما حذرتهم من السفر للحج «خشية على سلامتهم»، وبعيداً عن أن استحالة أن يقوم السعوديون بمضايقة أشقائهم القطريين، وهم الذين اعتادوا على خدمة الحجاج من كل الجنسيات دون تفرقة بينهم، وبعيداً أيضاً عن أن موسم الحج شعيرة دينية، الحكمة منها تعزيز المساواة عند مؤدي هذه الفريضة، فكلّ الحجاج يلبسون اللباس الأبيض، فيؤدونها في مكان واحد وتوقيت واحد دون معرفة من هو السعودي، ومن القطري ومن المصري، فإن السلطات القطرية تعلم أن تحذيراتها واتهاماتها للسعوديين سينكشف زيفها أمام مواطنيها متى ما سمحت لهم لاحقاً بالحج، أما السبب الثالث فهو توهم الدوحة قدرتها على التفاوض على رفع المقاطعة وتخفيض الشروط المطلوب منها تنفيذها عبر بوابة تسييس الحج، وأنها تستطيع إحراج المملكة عبر تسليط آلتها الدبلوماسية والسياسية والإعلامية ضد موسم الحج، لكن الدوحة تغفل أنه لا العالم التفَت لمشاغباتها ضد موسم الحج، ولا مواطنوها صدقوها بأن سلامتهم في خطر إذا سافروا للسعودية، بل حتى الـ443 حاجاً قطرياً الذين ذهبوا للحج بعد دخولهم الأراضي السعودية براً، سيفضحون اتهاماتها بعد انقضاء الموسم وعودتهم إلى بلادهم سالمين غانمين.
أكبر ضرر سياسي واجتماعي تعرضت له قطر إثر محاولاتها المستميتة لمنع مواطنيها من الحج، أنهم سيؤدون الفريضة رغماً عن حكومتهم، كل ما حدث أنها تسببت لهم في مزيد من العناء، فبدلاً من ذهابهم جواً مباشرة من الدوحة إلى جدة، أجبرتهم على السفر براً، والدخول إلى الأراضي السعودية، ثم الانتقال جواً عبر الطائرات السعودية. للأسف سيكون حج 2017 وصمة عار للسلطات القطرية لن يمحوها انتهاء الأزمة السياسية مستقبلاً، سيتذكر القطريون أن حكومتهم حاولت منعهم من أداء فريضة الحج، والسعودية، التي تختلف سياسيّاً مع بلادهم، رحَّبَت بهم واستقبلتهم، والأهم أنها لم تسمح لحكومتهم بمنعهم.
المصدر: الشرق الأوسط