إعلامي سعودي
ظلت سلطات الدوحة تتمتع بثلاث مزايا، الإعلام والمال والدبلوماسية الفعالة، عوضتها عن ثلاث، قلة سكانها وصغر مساحتها وضعف جيشها، إنما في هذه الأزمة تبدو قطر للجميع صغيرة وضعيفة وهدفاً سهلاً.
فما الذي حدث؟
قبل ذلك، لا بد من القول إنها برشاقة وفعالية عالية، نجحت في فرض نفسها لسنين طويلة، مستفيدة من مزاياها الثلاث، وكذلك لأسباب أخرى، من بينها أنها كانت تلعب في الفراغ الذي عاشته المنطقة، فمصر تحت رئاسة حسني مبارك كانت تتجنب الدخول في النزاعات، وتأنف من الرد على تحرش الدوحة وتحريضها الصريح، إلا بردود دبلوماسية هادئة وإعلامية محدودة، أما السعودية فقد انشغلت بإطفاء النيران التي أشعلتها قطر، بدلاً من مواجهتها مباشرة في أفغانستان ولبنان واليمن وداخل المملكة نفسها.
عندما نتحدث عن ضآلة قطر مساحة أو سكاناً لا نعني بها نقيصة، فسنغافورة بلد صغير وعظيم، مساحة قطر أكبر منه 12 مرة، ونحو نصف سكانه، كما أن قطر أكبر مساحة من لبنان.
الذي ننتقده، أن حكومة قطر تتخيل نفسها قوة إقليمية كبرى، تريد تغيير المنطقة وفرض سياساتها عليها، من دون اعتبار لا لحجمها ولا احترام لهذه الدول نفسها، وتريد قطر أن تحدث التغيير في المنطقة، وهي نفسها لا تُمارس شيئاً مما تحاول فرضه بالقوة على الآخرين وقلب أنظمتهم.
تدعم وتمول فرض الأيدلوجيات المتناقضة على مصر وتونس، من ديمقراطية وإسلام متطرف، وهي لا تطبّق شيئاً منها على الإطلاق.
هذه الشخصيات القطرية المتعددة المتناقضة، الشيزوفرانية، أفقدتها كل احترام في العالم. وجه قطر، ذات التوجه الليبرالي في داخلها، والإخواني المتطرف في سياستها الخارجية، وتجمع المتناقضات بين دعمها وتمويلها المتطرفين في محافظة الأنبار العراقية، واستضافتها زعمائهم الذين يسكنون في قطر جنباً إلى جنب مع القاعدة العسكرية الأميركية التي تنطلق منها المقاتلات لقصف الفلوجة والرمادي كل يوم.
لسنوات، دأبت على دعم خصوم السعودية في اليمن، الحوثيين اليمنيين وبعض قادة قبائل يمنية شماليين حاربوا السعودية في أواخر العقد الماضي، كما أنها مسؤولة مع إيران عن دعم الانشقاق الفلسطيني، بدعم حماس ضد السلطة الفلسطينية.
لسنين طويلة، قامت بتمويل معارضين سعوديين في الداخل والخارج، في الوقت ذاته، تتحدث عن العلاقة الأخوية والجارة الكبرى، وغيرها من الترهات والخطب الفارغة.
صمت وصبر الدول الإقليمية على حكومة قطر، هو الذي جعلها تتمادى، حتى قررت أربع دول أخيراً أن تلتفت إلى مصدر الفوضى بدلاً من مواجهة وكلائه.
مزايا قطر الثلاث، المال والإعلام والدبلوماسية، صارت مزايا خصومها، وفجأة وجدت حكومة قطر محل الشتيمة والسخرية، والإحساس بالقطيعة والخوف على أمنها ووجودها.
لقد أذاقت الدول الأربع سلطات قطر ما كانت تطعمه هذه المنطقة، وقطر، مع مرور الوقت وتكاثر المصائب، تكتشف تدريجياً أنها بلد صغير حقاً، بدون شقيقاتها الخليجية والعربية، لا قيمة لها.
اكتشفت قطر أن قاعدة العديد الضخمة لن تحميها، وتهديداتها بالاستعانة بإيران لم تخف خصومها، ولا دعوة الأتراك، ولا أبواق الإخوان الإعلامية، ولا تسويق المئة وسبعين مليار دولار في الغرب، ولا شبكات الدوحة من المنتفعين في السعودية والبحرين والكويت وغيرها من دول المنطقة.
كلهم لن يفلحوا في منح الدوحة ليلة من الطمأنينة. مزايا قطر الثلاث لم تعد لها قيمة، فالدول الأربع المعادية لها مجتمعة، عندها إعلام أكبر، ومال أوفر، ودبلوماسية أسرع وأكثر رشاقة وحيوية.
من يرى استعانة حكومة قطر بوزير الخارجية المبعد، الشيخ حمد بن جاسم، وسكنه وفريقه في فندق هاي آدامز في واشنطن، يدرك مدى ورطة قطر وفشلها في هذه الأزمة، وخطورتها.
المصدر: البيان