عبدالله قاسم معيد بكلية الاتصال في جامعة الشارقة, خريج إعلام إلكتروني من كلية الاتصال بجامعة الشارقة , الأول على الدفعة , شارك في مهرجان الجزيرة للأفلام الوثائقية وتأهل للمرحلة النهائية عن فيلم "عن شبعا يحكون" , تم اختياره كمتحدث في منتدى الإعلام العربي بدورته العاشرة في دبي , رئيس الجمعية الإعلامية بكلية الاتصال بجامعة الشارقة 2010 - 2011 , له كتابات ومقالات منشورة.
سمعت هذه القصة، وربما سمعها بعضكم، وكانت قد روت أحداثها بطلتها عندما اتصلت بأحد البرامج الفضائية، وسألت الشيخ إن كان لها توبة؟ تحكي السيدة أنها ذات يوم غضبت من زوجها، وصرخت فيه تطالبه بتطليقها، وارتفع صوتها وهي تقول له: طلقني إن كنت رجلاً !.. تقول المرأة أن زوجها لم يرد .. اكتفى بوضع ذقنه على يده متكئاً عليها ناظراً في صمت .. وهي تزداد صراخاً وغضباً مكررة كلامها السابق، والزوج على حاله صامتاً ينظر لها دون رد .. حتى طال صمته .. عندها اقتربت منه وقد انتابتها الهواجس وسألته لم لا يجيب، إلا أنه بقي على حاله .. ثم اقتربت منه أكثر، لتعرف حينها فقط أنه مات .. أو بالأحرى، أنها قتلته !
قبل نحو 600 سنة وأكثر، كان القائد العثماني “بيازيد يلدرم” في أوج انتصاراته العسكرية، تلك التي قالوا أن من كان يمر بعدها على ساحة القتال كان يظن أنه لم يبق أحد من المعسكر الآخر لكثرة المقتولين، ومن كان ينظر لحجم الأسرى لديه كان يظن أنه لم يقتل أحد لكثرة الأسرى! بيازيد هذا الملقب لشدته بالصاعقة (يلدرم باللغة التركية) تعرض للهزيمة على يد القائد المغولي “تيمورلنك” في معركة (سهل أنقرة)، فأسره هذا الأخير ووضعه في قفص يطاف به في المدن ليعرض على الناس إذلالا له، الأمر الذي انتهى به إلى الموت قهراً داخل قفصه الجائل في البلاد!
الأمر ذاته تكرر، كما يقال، مع “عباس الصفوي” مؤسس الدولة الصفوية، والذي انكفأ بعد معركة “تشالديران” إلى مسقط رأسه بعد سقوط مدن مملكته واحدة تلو الأخرى في يد العثمانيين، حتى مات بالسل الذي أصيب به تحت وطأة القهر.
لكنني أؤمن أن الرجل المعاصر هو الأكثر تعرضاً للقهر على مدار التاريخ، أكثر من عباس الصفوي وأكثر حتى من بايزيد الصاعقة !.. فهو يتعرض يومياً للقهر في الشارع من مئات السائقين أشباه “تيمورلنك” .. والذين يذكرونه بتلك الحكمة التي شكلت دائما نظرته للحياة، والتي كان يقرؤها على باب الحمام في مدرسته الإعدادية: “إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب”!.. كما أنه يتعرض للقهر في مكان عمله، ويشاهد الفساد وهو يتغلغل في كل مكان حوله سالبا إياه معظم ما تبقى له من حقوقه الآدمية .. ثم يعود للبيت فيتعرض للقهر مجددا على يد زوجته التي تذكره في كل لحظة بتقصيره وسوء حظها معه.. يكاد ينفجر لكنه يفضل الصبر .. الصبر فضيلة في نهاية المطاف ! يقرر أن هذا وقت فراغه وأنه حان وقت الهروب إلى العالم الافتراضي .. يفتح التلفزيون فتصفعه الإعلانات التجارية التي تصور له جمال كل ما تريده زوجته وتطالبه به مما لا يستطيع الحصول عليه دون أن يسطو على “بنك”، وهي فكرة تراوده دائماً لولا أنه يعرف، بسبب مشاهدته الكثير من الأفلام والمسلسلات البوليسية الأمريكية، أنه سيتم القبض عليه خلال ساعات على الأرجح .. العصر السعيد عندما كان بإمكانك، كلما شعرت بالحاجة للمال، أن تُغيرَ على القبائل المجاورة، قد ولى !.. لكل هذا، تعلم الرجل المعاصر أنه – لكي يعيش – يجب عليه تطويع رجولته وتجاهل صراخها حتى بح صوتها عند البعض، ورحلت مللاً وقنوطاً عند البعض الآخر .. فيما هي تقتل البقية شيئاً فشيئاً!
من الطريف ما يرويه الدكتور أحمد خالد توفيق عن أحد أصدقائه، والذي يحارب الشعور بالقهر بطريقة درامية جداً .. حيث يقوم بإخراج رأسه من السيارة في أحد الشوارع الخالية ويصرخ بأعلى ما يملك من صوت كلما أحس بانطباق خناق القهر عليه!.. قد يكون الرجل عبقريا في النهاية .. إذ لربما هو يعرف أن الرجل – مهما كان قوياً – لا يحتمل القهر بطبيعته ولا يطيق الاستسلام له، إذ يتناقض ذلك مع رجولته التي تدفعه للتمرد، أو الموت البطيء، وهو لا يملك سوى هذه الطريقة ليحمي بها روحه المثقلة من الانفجار!