قيادة “حمدان” وإرث المؤسسين

آراء

خاص لـ هات بوست: 

عام من الإنجازات مضى على تولي سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع في دولة الإمارات، لم يكن هذا العام مجرد فترة زمنية زمنية انقضت بما فيها، بل هي فترة وعلامة فاصلة في تجديد المفهوم القيادي لدولة الإمارات، وتجسيد حي لاستمرار نهج المؤسسين في صناعة رجال وقادة الدولة وفق رؤية واضحة وفكر مستنير وقيم راسخة.

ولفهم شخصية سمو الشيخ حمدان بن محمد القيادية والإنسانية علينا أولاً أن نعي أنه نتاج وخريج مدرستين: الأولى، مدرسة المؤسسين المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان وأخيه الشيخ راشد بن سعيد “جد الشيخ حمدان”، الذين وضعوا النهج والقيم الكبرى في تأسيس وبناء الدولة التي تركز على الإنسان أولاً واتصف قادتها بالاحترام وحب الخير وتحمل المسؤولية والحس الإنساني والرؤية المستقبلية والأمانة والاخلاص.

الثانية، مدرسة محمد بن راشد آل مكتوم، القائد الملهم الذي لا يكل ولا يمل الذي يواصل الليل بالنهار من أجل وطنه وشعبه، صاحب الفكر القيادي الاستثنائي والرؤية الثاقبة الإيجابية. لقد تربّى الشيخ حمدان في هاتين المدرستين، لا كمتلق صامت، بل كفاعل حاضر ومشارك ومتفاعل، تشكّلت شخصيته في مجلس الحكمة وفي ميادين العمل والجد والاجتهاد.

في عامه الأول، لم يُبدّل سموه العقيدة المؤسسية التي اسست على نهج المؤسسين والتي عمل على ترسيخها والده الشيخ محمد بن راشد “وزير الدفاع السابق”، ما قام به الشيخ حمدان هو اعادة بثها بنَفَس الواقع الحالي وبفكر القائد الذي يعلم ويعي أن التحديات لا تُدار بذات الأدوات القديمة والفكر السابق، بل بفكر وقيادة واعية تعي وتفهم الواقع كما هو وتستخدام الأدوات المناسبة والحديثة  كالاعتماد والاستفادة من الابتكار والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.، قيادة تعيش الواقع وتعمل للمستقبل بل تصنع مستقبلها.

كلنا يذكر زيارته للجنود المناوبين في عملهم العاملين والساهرين لأمن وطنهم في شهر رمضان المبارك الماضي، لم يكن الهدف توثيق الزيارة بعدسة الكاميرا أو نشر خبر إعلامي، بل هي تأكيد على فكرة أن القائد لا يتحدث من برج القيادة أو من مكتب مغلق بل القائد يتحدث ويعمل في الميدان صف واحداً مع جنوده وأفراده يشاركهم ويكون قريباً منهم ويحاورهم ويسمع منهم.

أما اذا انتقلنا لدوره الدبلوماسي، ففي حضوره الدولي، كان ممثلا لدولة فاعلة ومؤثرة لها ثقلها ومكانتها الدولية، ففي الجانب الأمني والدفاعي دولة الإمارات تُدرك أن السياسة الدفاعية لا تُدار من قاعات مغلقة، بل من خلال شبكة متينة من العلاقات والشراكات قائمة على التقدير المتبادل والاحترام الاستراتيجي والمصالح المتبادلة، لذا نجد أن زيارات سموه حظيت باهتمام كبير وتخللها توقيع عدد من الاتفاقيات والشراكات في مجالات مختلفة.

تحركات سموه في عامه الأول كانت بمنطق وفكر الدولة التي تُدير قوتها بعقل واعي ورؤية واضحة وقيادة ثابته، ركز سموه على تثبيت فاعلية الوزارة كجهة سيادية تشكّل ركيزة أساسية في معادلة الاستقرار الوطني، هذا النمط القيادي – المتّزن، الحاسم، والمترفع عن الاستعراض، هو نتاج مباشر لفكر محمد بن راشد، الذي مارس الحكم باعتباره فنّ الفعل والإنجاز لا فنّ الظهور والاستعراض.

يمكننا قراءة تأثره العميق بنهج والده، ليس فقط من خلال انضباطه، بل في طريقته في تفعيل الملفات بصمت، كأنه يعمل بمقولة والده محمد بن راشد: “أجعل عملك يتكلم عنك”. فكان عمله في وزارة الدفاع يتكلم بلغة الأرقام، والمبادرات، والتحولات البنيوية التي ربطت الدفاع بالصناعة المحلية، والذكاء الاصطناعي.

في تجربة سموه، نرى كيف يمكن للقائد أن يُعيد تعريف موقعه من خلال رؤيته. لقد مثّل حمدان بن محمد، في عامه الأول، نموذجا لقائد يتسلّم مسؤولية سيادية، وهو مشبع برؤية وطنية، لا يكتفي بإدارتها، بل يُعيد تأطير دورها في قلب المشروع الوطني.

إن الجيل الجديد “الجيل الثالث” في دولة الإمارات أتى ليواصل المسير بأدوات أكثر حداثة، وبروح أكثر حضورا، وبفكر متجذّر، ومنفتح على العالم.  في نهاية العام الأول، لا نرصد مجرد وقائع وارقام وإنجازات، بل نقرأ سيرة قيادة بدأت بصمت، لكنها قالت الكثير بفعلها. قيادة تمضي على خُطى المؤسسين، وتحمل في ملامحها قسمات محمد بن راشد: الحكمة، الصرامة، الصبر، والمتابعة الميدانية، والنظر الدائم نحو القمة.