قد لا يدري البعض أن صعوبة التقاط الفكرة أكثر بكثير من صعوبة التقاط صورة لـ«البوكيمون» تحت شمس شهر أغسطس، وأن الكاتب يعاني أيما معاناة حتى يجد موضوعاً جديداً وقريباً ومهماً حتى يكتب فيه، فهذه الزاوية ليست لملء الفراغ ولا تشبه تلك الزاوية في المقهى الشعبي قرب فرن «الفطير المشلتت»، الكاتب يجب أن يحمل الرسالة بكفّيه كما يُحمل الماء للعطشان بدقة ورويّة وعناية، الكاتب يجب أن يقلق ويخاف ويتعرّق عند كتابة مقاله، وليس كما يعتقد البعض أن المسألة لا تتعدى «صف كلام»، أو نسج بعض الجمل التقليدية يجمعها حسن اختيار أدوات الربط و«حُسن الخاتمة».
قبل أسابيع وصلتني رسالة على البريد الإلكتروني من فتاة تطلب مني مساعدتها في كتابة بحث عن أضرار الأكياس البلاستيكية على البيئة، ولأنني أحاول أن أخدم ما استطعت، فالمساعدة في مجال الكتابة هي جزء من الرسالة أيضاً. نوّهت لها بأن مساعدتي سوف تعتمد على وقت فراغي اليومي أولاً، كما تنصب في المراجعة وإبداء الملاحظات على اللغة والتسلسل لا أكثر، الأمر على ما يبدو كان صادماً؛ إنها تريد مني أن أقوم بكتابة البحث كاملاً من الألف إلى الياء وعلى وجه السرعة، منوهة بهذه العبارة الآمرة: «لو سمحت يجب أن أسلم البحث غداً»! فاعتذرت لها بلباقة، ثم تلقيت رسالة طويلة من التقريع، إذا كنت أنت لا تؤمن بأهمية البيئة فمن يؤمن بها؟ ثم سألتني هل تعرف كم من الماعز يموت كل سنة بسبب أكل الأكياس البلاستيكية؟ ألا تخشى على نفسك من الموت؟ فرددت بأربع كلمات قصيرات: مين قلك أنّي «عنزة»!
شخص آخر صاحب مكتب للحج والعمرة بعث لي رسالة على «فيس بوك»، وبعد مقدمة طويلة من المحبة والإشادة بطرح الأفكار كتب لي: «قريباً سوف ينطلق الفوج الـ25 الذي تنظمه شركتنا إلى الديار المقدسة لأداء فريضة الحج، لذا أريد منك أن تكتب كلمة للحجاج قبل الانطلاق إلى الحج بيوم واحد تشيد فيها بخدماتنا وصدق تعاملنا مع زوار بيت الله الحرام، وذلك أثناء تجمعهم أمام مكتبنا في الساحة الخارجية يوم السفر، وسوف أعطي هذه الكلمة لأحد الموظفين لدي ليلقيها نيابة عني، وسأنشرها على (فيس بوك)! قلت له: يا سلام، ما هذا التوجيب يا شيخ؟! ثم أنني لم أحج معك ولن أحج معك فكيف تريد أن تشهدني زوراً على حجاج بيت الله الحرام؟ ثانياً: ما الحكمة من توكيل كلمتك لأحد موظفيك والتي سيقوم بإلقائها نيابة عنك أمام باصات (الهيونداي)؟ يا أخ (لويس السادس عشر)»!
المصدر: الإمارات اليوم