كان نسيجاً مختلفاً وطاقة مبدعة خلاَّقة – جابر القرني

أخبار

ما أقسى لحظات الوادع وما أمَّرها … نقول هذه العبارة ونحن نودع الأحبة واحداً تلو الآخر .. ثم نعود لنسترجع الذكريات والأزمنة والأماكن والمواقف التي جمعتنا بهم … محمد أبو عمير لم يكن مجرد صديق أو زميل مثله مثل العشرات بل المئات ممن عرفت وزاملت، كان نسيجاً مختلفاً في كل شيء .. عرفته في مطلع التسعينات الميلادية وكان متخرجاً للتو من قسم الإعلام بجامعة الملك سعود .. جمعني به أكثر من لقاء عابر وقصير حينها لكنه كان كافياً ليترك لدى انطباعاً أن هذا الشاب الهادئ .. هو طاقة مبدعة خلاَّقة … تكررت بعدها لقاءاتنا حتى جاءت أولى محطات العمل معه حيث كلفت برئاسة المركز الإعلامي للمؤتمر الدولي للمعاقين الذي أشرف عليه الأمير سلطان بن سلمان وذلك بترشيح من الدكتور فهد العرابي الحارثي الذي أتاح لي المجال لاختيار أعضاء المركز فوقع اختياري على محمد أبو عمير ويحيى مفرح زريقان واستقطب محمد أبو عمير زميله في الجامعة عدنان جابر “رحمهما الله جميعاً ” (ومن المفارقات المؤلمه أن وفاة عدنان جابر كانت في مثل هذا الوقت من العام الماضي) وكان مؤتمر المعاقين تجربة ثرية قربتني كثيراً من شخصية محمد أبو عمير وعرفت قدراته وإمكانياته التي كانت من أهم عوامل نجاح المركز الإعلامي في ذلك المؤتمر .. وهو ما جعله يعمل لاحقاً في جمعية الأطفال المعاقين متفرغاً للشؤون الإعلامية ثم خاض تجارب ناجحة مع الدكتور عبدالله الطويرقي في مجلة الشرق ومع الدكتور فهد العرابي الحارثي في مجلة اليمامة ومع سلطان البازعي في جريدة اليوم.

العـــلاقة الوثيقة التي جمعتني به “رحمه الله” أعادتنا للعمل المشترك من جديد في الحرس الوطني حيث التحق بإدارة مهرجان الجنادريـة وكان محل ثقة المسؤولين في المهرجان، حيث عاد للعمل الإعلامي مديراً للتحرير في المركز الإعلامي في الجنادرية بصحبة أساتذة أجلاء تعلمنا على أيديهم منهم عثمان الغامدي ” رحمه الله ” والدكتور سامي المهنا.. وكان محمد أبو عمير صمام الأمان في المركز الإعلامي بهدوئه ومهنيته العالية لكنه كان أيضاً صانع الابتسامة وهو من يشعل الفرح والدعابة لاسيما بمشاكساته الدائمة مع زميلنا محمد صديق الحربي .. فاجأني أحد الأصدقاء بعدها في تلك الفترة بسؤاله عن محمد أبو عمير وقال إن الأمير فيصل بن فهد ” رحمه الله ” يبحث عن شخصية إعلامية ذات مواصفات حددها الأمير فيصل بنفسه وتنطبق جميعها على محمد أبو عمير وذلك للعمل مع ابنه الأمير نواف بن فيصل الذي كان حينها مازال طالباً في جامعة الملك سعود وقبل أن يدخل الساحة الإعلامية والأدبية وهو ما تحقق بعدها … حيث انتقل محمد للعمل مع الأمير نواف بن فيصل الذي أصبح فيما بعد نائباً للرئيس العام لرعاية الشباب ثم رئيساً عاماً استحق بعدها محمد ثقة ومحبة الأمير نواف ليكون سكرتيراً ثم نائباً للمدير العام، ثم مدير عاماً لمكتبه ومشرفاً على العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة كان خلالها كما قال سمو الأمير نواف بن فيصل “وهو يرثيه ” نعم المسؤول الأمين الصادق الذي نذر نفسه وحياته لخدمة وطنه بكل إخلاص وتفانٍ.

كل هذه المواقف والمحطات العملية تداعت في ذاكرتي حيث كنا نسكن سوياً في شقة صغيرة بالعليا نتقاسم فيها رغيف الخبز وشظف العيش حتى الملابس والسيارة وزجاجة العطر.. الأحلام والطموحات هي ذاتها والآمال والآلام لا تنقسم حتى مسؤوليتنا تجاه الأسرة والأهل كانت هماً مشتركاً لنا .. أتذكر أمسياتنا وأصدقاءنا خالد السهيل ويحيى مفرح وعلي الخضيري وعبدالله الشهري ومحمد اليامي وسعيد أبوملحة وفطيس بقنة وخالد الثبيتي ومحمد عابس وسرحان الأسمري وخالد العامر وسعد البشري وصالح الشادي وغيرهم.

قبل نحو ثلاث سنوات فاجأني باتصال متأخر في حدود الحادية عشرة مساء يقول لي أنا سأدخل غداً المستشفى لإجراء عملية قص معدة وأريد أن ألتقيك فذهبنا سوياً للأخ والصديق المشترك المخرج المعروف فطيس بقنة وحاولنا ثنيه عن هذه العملية إلا أنه كشف لنا عن معاناته مع الوزن ومشاكل القلب التي بدأت تزداد وطأتها عليه… لم يقنعنا ولم نقنعه وفعلاً أجرى العملية وفقد الكثير من وزنه كما كان يريد إلا أنه فقد الكثير من صحته حيث كانت مضاعفات العملية وتداعياتها أشد خطراً من العملية نفسها.. وفي العامين الأخيرين كان متنقلاً بين العديد من المستشفيات وكان كلما تحسنت صحته ينغمس مجدداً في كومة الورق والمعاملات متسلحاً بإيمانه بالله عز وجل ثم بثقة الأمير نواف بن فيصل بن فهد ومحاطاً بمحبة واحترام وتقدير كل من يعمل داخل المنظومة الرياضية ليواجه صامداً صامتاً ضغوط الحياة وتحديات العمل المستمرة والانتكاسات المرضية المتلاحقة، كان “رحمه الله” يحترم الكبير ويقدر الصغير .. لم يمش في الأرض مختالاً فخورا متكبراً رغم ما وصل إليه من مكانة عالية ومنزلة رفيعة.

وختاماً .. ماذا عساني أن أقول أيها الراحل الكبير والأخ الغالي رفيق الدرب والمشوار ورحلة الكفاح الطويل .. أسأل الله العلي القدير أن ينزل عليك رحمته ورضوانه وأن يجمعك بوالديك وبنا وبمن تحب في جنات النعيم وأن يلهمنا نحن إخوانك ومحبوك الصبر والسلوان … حبيبي وأخي وصديق عمري محمد آه لو تعرف كم كان فقدك مفجعاً ورحيلك موجعاً .. تماماً كما هو حال أخيك أحمد أبو عمير وإخوانه وأخواته والأمير نواف بن فيصل بن فهد والأسرة الرياضية والإعلامية الذين فجعوا فيك جميعاً.

“إنا لله وإنا إليه راجعون”

*جابر القرني – إعلامي سعودي

المصدر: الرياضية