كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة
خرجت المنتخبات العربية الأربعة من الدور الأول لمباريات كأس العالم 2018 بروسيا، ومع خروجها تجددت أحزان العرب، وتجدد الحديث عن مستوى الكرة العربية، الذي يتراجع رغم كل ما يصرف عليها من أموال، وما يُوفَّر لها من إمكانات.
وهو حديث نتوقع أن يتواصل على مدى الدورات المقبلة لكأس العالم خلال العقود المقبلة من الزمن ما لم تحدث معجزة، رغم أننا في زمن التخطيط لا زمن المعجزات المنتظَر أن تهبط علينا من السماء. ومع خروج المنتخبات العربية المحزن، وجد البعض عزاءه في بقاء لاعبين من أصول عربية في بعض المنتخبات الأوروبية، التي بقيت وحدها تتنافس على كأس البطولة بعد أن خرجت منتخبات القارات الأخرى، كما وجدوا متنفساً لأحزانهم في المستوى المشرف الذي ظهر به هؤلاء اللاعبون مع تلك المنتخبات، مثل ناصر الشاذلي ومروان فيلايني المنحدرين من أصول مغربية في منتخب بلجيكا الذي أصبح على أعتاب البطولة، ونبيل فقير المنحدر من أصول جزائرية في المنتخب الفرنسي المرشح هو الآخر بقوة لها، وسامي خضيرة المنحدر من أصول تونسية في المنتخب الألماني، الذي لم يكن أحسن حظاً من الفرق العربية المغادرة من الدور الأول. ويبقى الحديث غير مكتمل دون الإشارة إلى اللاعب المصري محمد صلاح، الذي تألق مع فريقه في الدوري الإنجليزي، وحرمته الإصابة من الظهور بمستواه الحقيقي في كأس العالم مع المنتخب المصري.
هذه البكائية عن إخفاق منتخباتنا العربية في البطولات الدولية، تجرنا إلى الحديث عن إخفاق المواهب العربية بمختلف أشكالها في وطننا العربي، وبروزها وتألقها عندما تخرج من أوطانها لتعيش وتعمل في الخارج. والأمثلة على ذلك كثيرة، ليس في مجال الرياضة فقط، وإنما في مجالات كثيرة، منها العلمي والفني والأدبي وغير ذلك. وأمامنا أسماء كبيرة مثل عالم الجيولوجيا المصري الشهير الدكتور فاروق الباز، الذي عمل في وكالة ناسا الأميركية للفضاء، وساعد في التخطيط للاستكشاف الجيولوجي للقمر، وعالم الكيمياء المصري الراحل الدكتور أحمد زويل الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء لعام 1999 لأبحاثه في مجال كيمياء الفيمتو، والفنان المصري العالمي الراحل عمر الشريف، والأديب والكاتب اللبناني أمين معلوف، وغيرهم من العلماء والأدباء والفنانين الذين لمعت أسماؤهم خارج أوطانهم الأصلية، وعجزت هذه الأوطان عن احتضان مواهبهم وتعهدها بالاهتمام والرعاية اللذين تستحقهما. الأمر الذي يدفعنا إلى السؤال عن السر الذي يكمن خلف هذا الداء الأبدي الذي لا يلوح لنا منه شفاء.
سوف يسهب البعض في الحديث عن الإمكانات غير المتوفرة في عالمنا العربي، ويتحدث آخرون عن انعدام التشجيع وقلة الحوافز، ويتطرق البعض إلى انعدام البيئة الحاضنة لهذه المواهب، ويشير البعض إلى الفساد المنتشر في الدوائر المختلفة. وهذا كله صحيح، وهناك ما هو أكثر، لكن السبب الأهم في رأيي هو أننا فقدنا الرغبة في النهوض واستسلمنا لواقعنا بعد النكسات والخيبات التي ألمت بنا خلال العقود الأخيرة من الزمن، وهو واقع أقل ما يمكن وصفه به أنه بائس، لا ينهض بأمة ولا يصحح من مسارها، فهل نحن من صنع هذا الواقع أم أننا ساعدنا على صنعه، وكرسناه حتى لم يعد ثمة أمل في تغييره؟
مثل هذه الأسئلة قد تختلف الآراء حولها، وقد يتحول الكثير من هذه الآراء إلى جلد للذات يشفي الغليل، لكنه يبقي العليل طريح الفراش منهك القوى، لا يكاد يرفع رأسه ولا يقوى على التقاط أنفاسه. لذلك علينا أن نذهب إلى أولئك المبدعين العرب الذين نجحوا في الخارج، لنعرف منهم كيف أخفقت أوطانهم في احتضانهم ورعاية مواهبهم، بينما نجحت بلدان كانوا غرباء عنها في مساعدتهم على النبوغ، وكيف احتضنتهم حتى غدوا نجوماً وأعلاماً يشار إليهم بالبنان، يحققون الإنجاز تلو الإنجاز، ويحصدون الجائزة تلو الجائزة من المنظمات والهيئات العالمية والدولية، وينالون الاحترام والتقدير من الجميع على إنجازاتهم المبهرة.
من الأقوال المأثورة عن العالم المصري الراحل الدكتور أحمد زويل قوله: «الغرب ليسوا أذكى منا، لكنهم يقفون ويدعمون الفاشل حتى ينجح، أما نحن فنحارب الناجح حتى يفشل». هذه المقولة تلخص لنا المسألة كلها، وتوفر علينا المزيد من الحديث، فشكراً للدكتور أحمد زويل الذي كشف لنا القناع، وشكراً لكأس العالم الذي جعلنا نبحث عن سر الإخفاق.
المصر: البيان