أفاد مختصون في تجهيز ضيافة المناسبات ومتعهدو تنظيم مناسبات بالشارقة، بازدياد الطلب على كعكات كبيرة الحجم والبسكويت والشوكولاتة، المخصصة لمجالس العزاء، تنقش عليها عبارات مواساة بشوكولاتة بيضاء، مثل «اللهم أجرنا في مصيبتنا»، و«البقاء لله»، و«إنا لله وإنا إليه راجعون»، توضع على طاولات مخصصة لهذا الغرض عند مداخل مجالس وخيم العزاء، بغرض المباهاة والمفاخرة التي يسعى إليها أقرباء وأهالي المتوفى.
فيما أكد مواطنون أن الأمر لم يقتصر على تقديم كعكات العزاء، بل وصل، أخيراً، إلى تخصيص صوانٍ للبخور والعطور، وكراسي لكبار الشخصيات من المعزين، تزيد قيمة استئجار الكرسي الواحد منها على 3000 درهم يومياً، فضلاً عن وضع النساء من أقارب المتوفى، أثناء استقبال المعزيات، مساحيق تجميل بألوان لا تتناسب وهذه الحالات.
في حين استنكر عضوا المجلس الوطني الاتحادي، جاسم النقبي، وعائشة بن سمنوه، إطلاق مظاهر الفرح في حالات العزاء، ووصفا تقديم الكعك الذي يحمل عبارات التعزية والمواساة بـ«السلوك الدخيل» على المجتمع، عازيين ذلك إلى عوامل عدة لإيجاد هذه السلوكيات، أهمها الانفتاح العشوائي على مواقع التواصل الاجتماعي، وتعدد الثقافات في المجتمع، إضافة إلى ضعف الترابط الأسري بين أفراد العائلة الواحدة.
إيجار كرسي كبار الشخصيات بــ 3000 درهم لليوم
«مكياج مطفي» لقريبات المتوفى.. وملابسهن مــوحدة
ذكرت المواطنة علياء الهاشمي، من إمارة الشارقة، أن «بعض الصالونات النسائية خصصت مكياجاً خاصاً بالعزاء، ذا ألوان مطفية، تضعه قريبات المتوفى، اللاتي يرتدين ملابس موحدة غالباً»، مضيفة «مظاهر البذخ في مجالس وخيم العزاء باتت جلية، في الفترة الأخيرة، إذ لم يقتصر الأمر على توفير خيمة أو مجلس للعزاء وقهوة وغيرها، بل وصل عند بعضهم إلى تجهيز بوفيات لوجبتي الغداء والعشاء، تستمر طوال أيام العزاء الثلاثة، كما أن الملاعق والمناديل الموزعة على طاولات الطعام تحمل الحرفين الأول والثاني من اسم المتوفى، وكذلك أدعية دينية، إلى جانب الحلويات وفي مقدمتها (الكب كيك) و(الكوكيز)، التي تكون باللون الأسود، تماشياً مع الحدث الجلل».
كتابة عبارات
مواساة واسم
المتوفى على
الملاعق والشوك
والسكاكين
والمفروشات.
مشاركة وجدانية
قالت المواطنة مريم اليماحي إن مظاهر الضيافة التي ظهرت أخيراً في العزاء، كتقديم كعك وحلويات تحمل عبارات تعزية، مجاراة لما أصبح منتشراً ودارجاً بين الأسر، وهو موقف من أقرباء المتوفى وأصدقاء أسرته، يؤدونه بدافع إظهار المشاركة الوجدانية لأهل المتوفى في مصابهم، ومساندتهم لهم بصورة إيجابية تتناسب مع الوضع الاجتماعي للمعزين، لاسيما كبار الشخصيات والأسر التي تهتم بالمظاهر الاجتماعية، وإبراز مظاهر العزاء بشكل لائق بسمعة المتوفى ومكانة أسرته في المجتمع.
ضيافة مجانية
أكد عضو المجلس التنفيذي لإمارة الشارقة، رئيس دائرة شؤون الضواحي والقرى، خميس بن سالم السويدي، أن الدائرة تتكفل بإجراءات العزاء لسكان الإمارة، التي تتمثل في حجز مجالس الضواحي، وتركيب خيم عزاء تتسع لأكثر من 130 شخصاً، وتقديم خدمات ضيافة، إلى جانب تركيب لوحات إرشادية، موضحاً أنه في حال وفاة أحد المواطنين بالشارقة، فإن الدائرة تتولى الإشراف على ترتيب المكان المناسب للعزاء، مضيفاً أن الدائرة توفر للمواطنين في حالات الوفاة خدمة الضيافة، التي تتضمن الضيافة لشخصين من مقدمي الخدمة، وأربعة أنواع من المشروبات الساخنة.
وتابعت «إلى جانب ذلك، هناك أنواع وأصناف من الولائم المعدّة في مطاعم مشهورة، تقدم في العزاء، والبعض يستعين بأشخاص متخصصين لتجهيز ديكور خيم وقاعات العزاء، وابتكار هدايا صغيرة توزع على المعزين، وتوفير مفارش طاولات وكراسي تحمل اسم المتوفى، وبعض الأدعية له بالرحمة والمغفرة، كما لاحظت أن البعض يجهز كعكة كبيرة، تقطع وتوزع على المعزين، لاسيما في مجالس النساء».
وقال ناصر محمود، وهو صاحب شركة الخيم العربية بالشارقة، إن طلبات تجهيز خيام العزاء تتمثل في توفير كراسي للمعزين، وأشخاص لتحضير وصب القهوة والمشروبات الساخنة بأنواعها، مثل الزعتر، والشاي بأنواعه (الأخضر، وبالنعناع، والحليب)، إلى جانب مشروبات أخرى، مثل الحبة الحمراء بالحليب، وجميع هذه المشروبات توزع على المعزين، كل حسب طلبه، كما يطلب أهل المتوفى أحياناً توفير عدد محدد من الكراسي الوثيرة والفخمة، ذات مواصفات خاصة، تكون لكبار الشخصيات الذين يزورونهم لتقديم العزاء، قيمة استئجار الكرسي الواحد تصل إلى 3400 درهم لليوم الواحد، وتكون لخيمتي الرجال والنساء».
وأكد المواطن مبارك العامري، من مدينة العين، أن «التنافس بين العوائل والقبائل هو الذي أوجد الغلو الواضح في العزاء، إذ لاحظنا أخيراً وجود العطور ومباخر العود والبخور، التي تصف في صوانٍ ذهبية، ويخصص لها أشخاص يقدمونها للمعزين عند مغادرتهم خيمة العزاء، فضلاً عن أن عدد من الذبائح يراوح بين 15 و20 ذبيحة في اليوم الواحد من أيام العزاء، وعادة يتكفل أحد الجيران أو أقرباء المتوفى بتوفيرها».
وتابع «ظهرت أخيراً حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، معظمها لنساء، تعلن عن الاستعداد لتجهيز قاعات وخيم العزاء، كما في مناسبات الأفراح وحفلات الزفاف، إذ يوفر أهل المتوفى خيمة العزاء فقط، بينما يتولى أصحاب هذه الحسابات، خلال ساعات قليلة، تجهيزها بالمفارش والملاعق والمناديل وقناني المياه، التي تحمل جميعها اسم المتوفى، وبعض الأدعية بالرحمة له»، مشيراً إلى أن «البعض بدأ يطبق أخيراً نظاماً جديداً في العزاء، وهو تجهيز طاولة تكون عادة عند مدخل الخيمة، توضع عليها حلويات مختلفة، وكعكة مكتوب عليها آيات قرآنية وأدعية».
وأفاد بأن «الدارج في العزاء تخصيص عدد من الكراسي، المختلفة الشكل واللون عن الأخرى، تصف على خط واحد أمام الجدار المواجه للمدخل الرئيس، وتخصص هذه الكراسي لكبار الشخصيات، وبعض الأشخاص الذين يحضرون لتقديم واجب العزاء»، لافتاً إلى أن «قيمة استئجارها تختلف حسب المواصفات، إلا أن قيمة إيجار الواحد منها لا تقل عن 3000 درهم في اليوم الواحد، وفي حال طلب 10 مقاعد، فإن قيمتها الإجمالية قد تصل إلى 90 ألف درهم خلال الأيام الثلاثة المخصصة للعزاء».
صواني فواكه مجففة محاطة بألواح شوكولاتة
قالت المتخصصة في تجهيز الحلويات للمناسبات المختلفة، (أم فيصل)، إن «أكثر ما يطلبه منها الزبائن حلويات بأشكال وألوان لمناسبات مختلفة، مثل الولادة والخطوبة، والزواج، إلا أنها لاحظت أخيراً طلب بعض الزبائن، عبر قروب خصصته لهم على (واتس أب)، حلويات للعزاء، مثل (الكب كيك) و(الكوكيز)».
وأضافت «لأن هذه هي المرة الأولى التي تمر عليّ فيها مثل هذه الطلبات، بدأت استفسر منهم عن تفاصيلها، وعندها أرسلت لي إحداهن صوراً لكعكات كبيرة ومتوسطة الحجم تقدم في مناسبات العزاء، وأخبروني بأن هذا النوع من الضيافة بدأ يظهر في إحدى الدول الخليجية، وهم يريدون أن أوفّر لهم مثلها».
وتابعت «بالفعل بدأت قبل نحو شهر أجهز حلويات خاصة بالعزاءات، وهي عبارة عن قطع بسكويت وكعك كوكيز، ويكون الطلب بأن تُنقش عليها عبارات مثل (البقاء لله)، و(إنا لله وإنا إليه راجعون)، و(رحم الله ميتنا)، وهذه الحلويات تطلب مغطاة بالشوكولاتة السوداء، لتتماشى مع المناسبة»، مضيفة «أسعار هذا النوع من الكعك والحلويات يعتمد على الكمية المطلوبة، إلا أن الكعكة الرئيسة يزيد سعر متوسطة الحجم منها على 900 درهم، أما الكعكة كبيرة الحجم فيصل سعرها إلى 1300 درهم، وعادة تقدم في مجالس النساء، كما يُطلب مني أكثر من واحدة في اليوم الواحد خلال أيام العزاء، إلى جانب الوجبات الأخرى، مثل الولائم المكونة من الأرز واللحم، وكذلك العصائر، والمشروبات الساخنة»
فيما أشارت مديرة مكتب «تيجان» لتنظيم حفلات الأفراح في الشارقة، كريمان عبداللطيف، إلى أن «طلبات الزبائن خلال أيام العزاء كانت سابقاً تقتصر على طلب (الصبابين) مُقدمي خدمة الضيافة وصب المشروبات الساخنة وتوزيعها على المعزين، لكن بعض الأسر في الدولة بدأت تأخذ طابعاً مختلفاً، إذ إنها إلى جانب طلبها تجهيز الخيم المخصصة للعزاء، من حيث توفير الكراسي والإضاءة و«الصبابين»، وسبعة أنواع من المشروبات الساخنة والباردة، تطلب توفير نوع من الحلويات (الكوكيز) بكميات كبيرة، في صوان مخصصة لهذا الغرض، ليتم تقديمها إلى المعزين من النساء والرجال طوال أيام العزاء، وعادة يحمل هذا النوع من الحلويات عبارات عزاء، مثل: اللهم ارحم (اسم المتوفى) واغفر له، أو «البقاء لله»، أو «اللهم أجرنا في مصيبتنا»، والعبارات نفسها تطبع على الملاعق والشوك والسكاكين والصحون، وأيضاً المناديل الخاصة التي توضع على طاولات تناول الطعام في العزاء».
من جانبه، أكد صاحب محمصة بإمارة الشارقة، سعد صلاح، أن «طلبات العزاء التي أخذت أولوية بين الزبائن، هي صواني الفواكه المجففة، التي تصف على جوانبها ألواح من الشوكولاتة السوداء، وتكون مكتوباً عليها بشوكولاتة بيضاء: (لا إله إلا الله)، و(غفر الله لميتكم)، و(أحسن الله عزاكم)»، مشيراً إلى أن «أقرباء المتوفى هم من يطلبون توفير هذه الصواني، التي يرسلونها إلى مجلس العزاء قبل توجههم إليه لتقدم ضيافة للمعزين، وقد يطلب البعض علباً كبيرة من بسكويت (البيتي فور)، تصف على الطاولات عند مداخل خيم العزاء».
النقبي: تقديم الحلويات غلو لا داعي له
انفتاح عشوائي على مواقع التواصل
اعتبرت رئيسة لجنة الشؤون الإسلامية والأوقاف والمرافق العامة في المجلس الوطني الاتحادي، عائشة سالم بن سمنوه، أن تقديم أنواع الكعك التي تحمل شعارات المواساة لأهل المتوفى «سلوكيات دخيلة»، وغير دارجة في المجتمع، أوجدتها عوامل عدة، أهمها الانفتاح العشوائي غير المدروس من قبل أفراد المجتمع، لاسيما فئة الشباب، على مواقع التواصل الاجتماعي، وأيضاً كثرة الثقافات في المجتمع نتيجة تعدد الجنسيات، إضافة إلى ضعف الترابط الأسري بين أفراد العائلة الواحدة، فسابقاً كانت الأسرة الواحدة تعيش في بيت ممتد، ويسهم الأب والأم والجدان والأعمام في تربية الأبناء، وهذا الأمر لم يعد له وجود اليوم.
واستنكرت تطبيق مظاهر الفرح في حالات العزاء، موضحة أن «من الأمور التي انتشرت في مجالس العزاء أخيراً، توحيد زي النساء من أهل المتوفى، ووضعهن المكياج على وجوههن، كما بدأت بعض الصالونات النسائية تعلن عن توفير مكياج لحالات العزاء، يتميز بألوانه الداكنة، ظناً أن ذلك سيتماشى مع حالة الحزن».
وقالت «السمة الغالبة على مجالس العزاء هي البذخ في الضيافة، بما يرهق أهل الميت مالياً ونفسياً، خصوصاً ممن فقدوا أكثر من شخص في حوادث سيارات وغيرها»، مضيفة «فوجئت في أحد مجالس العزاء بوجود مضيفات عند مدخل المجلس، يوزعن قطع كعك صغيرة تحمل عبارات المواساة، ولم يقتصر توزيعها على حالات العزاء فقط، بل إن بعض النساء أصبحن يحتفلن بالطلاق».
وناشدت الوزارات والجهات المعنية تعزيز الوعي لدى أفراد المجتمع حول الثقافة المثلى في حالات العزاء، وعدم التأثر بالظواهر الدخيلة التي لا تمت إلى مجتمعنا بأي صلة، قديماً وحديثاً، مشددة على ضرورة تضمين المناهج التعليمية في المدارس الأعراف والتقاليد المتوارثة (السنع)، وتربية الأبناء على ما يجب اتباعه في المناسبات المختلفة، وعدم الانسياق وراء كل ما هو جديد، فنحن لنا هويتنا الخاصة، وقيمنا الراسخة، التي لا تتأثر بالمتغيرات الخارجية.
فيما أكد عضو المجلس الوطني الاتحادي، جاسم عبدالله النقبي، أن المبالغة في العزاء، مثل توزيع الكعك والبسكويت، بدأت تنتشر بين عدد قليل من الأسر في المجتمع، ولم تصبح ظاهرة.
وأشار إلى أن بعض أقارب الميت يستعينون بشركات خاصة لتوزيع المشروبات الباردة والساخنة، ولا خطأ في ذلك، إذ قد يكون المعزون قد حضروا من مناطق بعيدة أو دول أخرى، ومنهم كبار السن، لتقديم واجب العزاء، لذا يستوجب وجود من يقدم إليهم خدمة الضيافة.
وأوضح أن تقديم العزاء هو واجب اجتماعي، يعزز الترابط الأسري والمجتمعي بين الأشخاص، وعلى الرغم من أن واجب العزاء له تقاليده وعاداته المعروفة، التي تفرض على المعزين أسلوباً معيناً لا يتجاوزونه، احتراماً للمتوفى وأهله، إلا أن البعض بدأ ينتهج عادات دخيلة على ما هو دارج سابقاً، إذ أصبح مكان العزاء أشبه بمجلس أو مقهى لتبادل الأحاديث حول القضايا المجتمعية والأحاديث الجانبية، وغيرها، دون وضع اعتبار لمشاعر الحزن التي تسيطر على أهل الميت.
ولفت النقبي إلى أنه، على الرغم من أن مدة العزاء في أعرافنا وعاداتنا هي ثلاثة أيام فقط، إلا أننا نجد في هذه الأيام أنها قد تستمر نحو خمسة أيام متواصلة، وكأن أصحاب العزاء يتباهون بأنهم قادرون مادياً على إقامة مآدب الطعام طوال هذه الأيام، مطالباً الجهات المعنية بتقديم التوعية والتثقيف لأفراد المجتمع حول السلوكيات التي يجب اتباعها خلال أيام العزاء.
المصدر: الإمارات اليوم