داعية إسلامي من السعودية
من فنون البلاغة اللغوية، ومن المحسنات البديعية التي تحقق جمالية التقابل في المعاني فن يعرف بالعكس ـ المعنوي ـ، ويسمى: (التبديل)، وهو أن تقدم في الكلام جزءا، ثم تعكس فتقدم ما أخرت، وتؤخر ما قدمت، ويحسن هذا الفن حين يكون كل من مقدم الكلام وتاليه ـ عكسه ـ مؤديين من المعاني ما يقصد لدى البلاغيين، ومن صوره العكس بين طرفي جملة واحدة، مثل: “كَلاَمُ الأمِيرِ، أَمِيرُ الكلام”، وعادات السَّادَاتِ، سَادَاتُ الْعَادات”، ومنه العكس بين متعلقي فعلين في جملتين، كقوله سبحانه وتعالى: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِن الميّتِ ويُخْرِجُ الْميّتَ مِنَ الْحَيّ}، ومنه العكس بين لفظين في طرفي جملتين، مثل البيت الشهير لأبي الطيب المتنبي: “فَلا مَجْدَ في الدّنْيَا لمَنْ قَلّ مَالُهُ * وَلا مالَ في الدّنيا لمَنْ قَلّ مَجدُهُ”، وقول الأب لمدرس ابنه: “أنجحته بغير حق فسقط، ولو أسقطته بحق لنجح”.. الكلام في هذا الباب طويل وجميل، ولكني وجدت البدء بهذه المقدمة أمرا مناسبا لترجمة عنوان المقال من الناحية البلاغية، وأمرا لازما ومتوافقا مع الخطاب الرسمي الأخير لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ـ حفظه الله ورعاه ـ.
الخطاب الملكي الأخير يعد الخطاب الثاني للمليك المفدى ـ الخطاب الأول جاء عبر كلمة متلفزة، بمناسبة تولي السلطة، ولم تسمح المناسبة حينها بعرض تفاصيل السياسة الداخلية والخارجية للمملكة العربية السعودية ـ، وقد استعرض فيه ـ وفقه الله ـ بكل وضوح السياسات الوطنية، ومرتكزات القضايا الحيوية الهامة في المنطقة، وخطط التنمية، والسياسات المحلية، والأجندة المستقبلية، ودعا فيه إلى التعاون الكامل بين جميع الأجهزة والسلطات الحكومية لتحقيق الأهداف الوطنية، وأكد من خلاله ـ أيده الله ـ على القيم الرئيسية المحورية، والتطلعات الوطنية، وتطرق ـ حرسه الله ـ فيه إلى مكافحة الإرهاب، وتعزيز الوحدة الوطنية، وتوفير النصح والإرشاد، وإتاحة الفرص للشباب من خلال التعليم، وتحقيق وإدامة وتحسين نوعية حياة المواطنين، والدور المنتظر من رجال الأعمال في مجالات التوظيف والخدمات الاجتماعية والاقتصادية.
النصوص التي استوقفتني في الخطاب كثيرة، ومن أبرز ما شدني فيه قوله ـ سدده الله ـ: “إن كل مواطن في بلادنا، وكل جزء من أجزاء وطننا الغالي هو محل اهتمامي ورعايتي، فلا فرق بين مواطن وآخر، ولا بين منطقة وأخرى، وأتطلع إلى إسهام الجميع في خدمة الوطن”، ثم قوله ـ وفقه الله ـ: “نؤكد حرصنا على التصدي لأسباب الاختلاف ودواعي الفرقة، والقضاء على كل ما من شأنه تصنيف المجتمع بما يضر بالوحدة الوطنية، فأبناء الوطن متساوون في الحقوق والواجبات”.. محتوى الخطاب، ومستوى الطرح العميق بعثا رسالة صريحة لكل فرد بأن “العهد السلماني” عهد بلا دعايات، وخال من المزايدات، وأنه عهد واقعي لأبعد درجات الواقعية، وعهد يتميز بالحراك الكامل، وفي كل الاتجاهات، وعهد للتفاصيل المكشوفة للحاكم قبل المحكوم، وعهد ملتصق بتفاصيل هموم حياة المواطنين، وعهد كما هو (للتوظيف)، هو أيضا (لطي القيود).
خاتمة:
دعاء خادم الحرمين: “أسأل الله تعالى أن يمدني بعونه وتوفيقه لتأدية هذه الأمانة على الوجه الذي يرضيه، وأن يحفظ لوطننا أمنه واستقراره، وأن يأخذ بأيدينا جميعا، ويوفقنا لنصرة ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ومصدر عزنا، وأن يحقق لنا ما نطمح إليه إنه خير ناصر، وخير معين”.. اللهم آمين.. آمين.
المصدر: الوطن أون لاين
http://alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=25478