رئيس وزراء بريطانيا السابق وعضو «مجلس مستقبل أوروبا» التابع لـ«معهد نيكولاس بيرغروين». نشرت هذه المقالة لأول مرة في صحيفة «بيلد تسايتونغ» الألمانية
لا أحسد زعماء أوروبا الحاليين على المهمة التي يواجهونها، فعلى مدار الأعوام الـ60 الماضية، تحولت أوروبا إلى أكبر اتحاد سياسي وأكبر سوق اقتصادية رآها العالم، ويعد الحفاظ عليه مسؤولية ضخمة؛ لذا فأنا أكتب بإحساس عميق من التواضع والاحترام تجاه من يطالبهم الناس بتحمل هذه المسؤولية.
إن الأزمة الراهنة هي مسألة حياة أو موت بالنسبة لأوروبا؛ فقد صار جليا الآن الخلل الهيكلي الذي شاب عملة اليورو. صحيح أنه من حيث المبدأ كان مشروعا صحيحا مائة في المائة – وذلك بالجمع بين سوق واحدة وعملة واحدة – إلا أن الطريقة التي تم بها، وكذلك السرعة التي دخلته بها البلدان، كانت تعني أنه مشروع تحركه السياسة، ولكن تم التعبير عنه من خلال الاقتصاد (وقد كانت توجد لدى بريطانيا شكوك سياسية بالطبع، لكنها ظلت خارجه لأسباب اقتصادية في الأساس)، والآن صار هناك تضارب بين السياسة وعلم الحساب.
ويبدو المأزق خطيرا بالنسبة لألمانيا، ففقد اليورو الآن قد يكون كارثة، ليس من الناحية السياسة فحسب، بل من الناحية الاقتصادية أيضا. وعلى الجانب المقابل، في سبيل «إنقاذ» العملة الموحدة، تتم مطالبة ألمانيا بتمويل حزم الإنقاذ المالي، ورفع معدلات التضخم في اقتصادها، والوقوف وراء ديون البلدان التي لم تقم بالإصلاحات اللازمة، وبالتالي لم يكن من المستغرب أن يعارض الشعب الألماني الاضطلاع بهذا الدور.
إذن، فإن السياسة في أوروبا تقف حائرة بين من يعرضون خفضا تقشفيا في النفقات وإصلاحات مؤلمة، ومن يعرضون تحفيزا للنمو دون أي إصلاحات. ولكن من الواضح أنه من دون نمو، فإنه يصعب جدا إجراء إصلاحات؛ فبدون هذا، سيواجه الاتحاد بأكمله دوامة هابطة من ارتفاع معدلات البطالة وتراجع معدلات النمو وانخفاض حصيلة الضرائب وتزايد خفض النفقات، مما يؤدي بدوره إلى تفاقم أزمة النمو أكثر فأكثر. ولست أدري كيف ستكون الآثار الاجتماعية لبلوغ معدلات البطالة بين الشباب في إسبانيا 50 في المائة، لكنني أظن أنهم إذا وجدوا كل السبل مسدودة أمامهم، فسوف يصبحون خطرين.
ولكن من الواضح أيضا أنه من دون تنفيذ ما يعتبر تغييرات صعبة ولكنها متأخرة كثيرا في جوانب مثل أسواق العمل الداخلية وتوفير خدمات الرفاهية ونظم معاشات التقاعد الحكومية – وهي نوعية التغييرات التي قامت بها ألمانيا خلال العقدين الماضيين – فإن السياسة المالية الداعمة للنمو سوف تصبح أمرا بعيد المنال، وسوف تقل القدرات التنافسية لدى أوروبا أكثر فأكثر.
والشعور السائد في الوقت الحالي هو أن ألمانيا تسير، خطوة خطوة، نحو ما يطلب منها فعله، حتى وإن كان ذلك على مضض، بينما تسير بقية أوروبا في مسار خاطئ نحو الإصلاح.
إذن، فرغم الجهود الهائلة التي تبذلها القيادة الألمانية على وجه الخصوص، فإن النتيجة هي أنه لا التزام ألمانيا بإنقاذ اليورو ولا التزام الآخرين بالإصلاح يحظى بمصداقية كاملة، ومن ثم فإن الأسواق ما زالت تترقب، وثمن إنقاذ اليورو يرتفع يوما بعد يوم.
وقد أسهم تقديم البنك المركزي الأوروبي قروضا ميسرة بداية العام الجاري في إتاحة مهلة من الوقت أمام القطاع المالي، تماما كما فعل القرار المهم بتقديم الدعم للبنوك الإسبانية مباشرة، لكن الخطورة هي أننا نكون دوما متأخرين بشهرين كاملين عن الأزمة.
وما تحتاج إليه أوروبا الآن هو «صفقة كبرى»، تتخذ فيها جميع القرارات اللازمة لوضع اليورو على أرضية صلبة. وعلى ألمانيا أن توافق على شكل ما من أشكال تبادل الديون – كما اقترح «المجلس الألماني للخبراء الاقتصاديين» مثلا – مع الإعلان في الوقت ذاته عن عملية التحفيز المالي، ثم الشروع في تنفيذها. وعلى البلدان المدينة أن تقوم بإصلاحات، وأن تفعل ذلك من خلال برامج دقيقة وذات مصداقية ولها إطار زمني محدد. وأي خطة ملائمة – وإن كانت مؤلمة – لتصحيح ميزانيات البنوك لا بد من نقلها إلى الأسواق، إلى جانب اليقين بشأن التغييرات طويلة المدى في السياسة المصرفية والمالية. وسوف تكون هناك مطالب حتمية بإصلاح المؤسسات الأوروبية على خلفية هذه التغييرات، وينبغي أن يتم رسم عملية واضحة من أجل الاتفاق على تلك الإصلاحات.
وأفضل شيء الآن هو إجبار الجميع على اتخاذ قرارات كبرى واتخاذها معا، فنحن بحاجة إلى سياسات رامية إلى النمو والإصلاح والوحدة.
وبالنسبة لهذا الجيل من القادة، فقد اعتدنا على الأزمات الدورية التي تحل نفسها بشكل أو بآخر، لكن هذه الأزمة مختلفة؛ فهي تجربة جديدة بالنسبة لنا، وأقرب نظير لها هو فترة الثلاثينات من القرن العشرين؛ فجميع الاختيارات مرة، لكن أقلها مرارة بالنسبة لأوروبا، وبالنسبة لألمانيا بالذات، هو إنقاذ اليورو.