كاتب سعودي
قبل الربيع العربي وفوضاه الخلاقة بسنوات، ومع بداية الصراعات الطائفية الدامية في دول الجوار وبعدها، كتبنا هنا عن المخطط المرسوم والمعلن لتقسيم العالم العربي وتحويله إلى كيانات عشوائية متوحشة تتقاسمها المليشيات الإرهابية السنية والشيعية تبرز من خلالها الحاجة الدولية لهيمنة إسرائيل على هذه المنطقة من الفرات إلى النيل، بعد انهيار الدول العربية الكبيرة وغرق شعوبها في بحر الدماء.
لم نكن عباقرة ولا منجمين ولا نعلم ما لا يعلمه غيرنا، بل اعتمدنا على ما تعلنه وتكرر إعلانه مراكز الدراسات والبحوث في الولايات المتحدة وإسرائيل، ربما لفرط ثقتهم في حالة الغباء التي تسيطر علينا لم يجعلوا هذه المخططات سرية، بل أعلنوها على الملأ وهم واثقون بأن العرب سوف يسيرون إلى خرابهم مثلما تسير الخراف إلى المسلخ!.
اليوم قطع المخطط شوطا كبيرا جدا، فالعراق أصبح عمليا ثلاث دول لا علاقة لها ببعضها البعض، دويلة شيعية تتحكم فيها إيران في الجنوب، ودويلة سنية تحتلها داعش في الوسط، ودويلة كردية مستقلة لا شأن لها بكل ما يحدث في العراق، وسوريا الدولة العربية الكبيرة الثانية من المستبعد جدا أن تعود موحدة كما كانت، وكذلك الحال في اليمن التي دخلت فعليا في دوامة انهيار الدولة والصراعات الطائفية، وبينما دخلت ليبيا في مخطط التقسيم القبلي لا الطائفي تعيش مصر المحروسة أيامها ولياليها على حافة الخطر.
ما هي الدولة العربية الكبيرة التي ما زالت مستقرة في المشرق العربي؟، الجواب ــ بلا شك ــ هو السعودية، التي يشكل تسلل العنف الطائفي إليها ــ لا سمح الله ــ انهيار العمود الأخير في الخيمة العربية التي مزقتها الرياح، ومن المؤسف فعلا أننا نتعامل مع هذا المخطط بأساليب عاطفية، حيث نعبر عن وحدتنا وتماسكنا لحظة وقوع حادث إرهابي ما ثم نعود إلى ما كنا عليه بعد الحادث بأيام قليلة دون أن نتبنى مشروعا وطنيا شاملا ودائما يقف في وجه الفكر الإرهابي الأسود، مشروع يتغنى بالحياة بدلا من هذه المشاريع المظلمة المتخلفة البائسة التي تمجد الموت وتحرض الأخ ضد أخيه وتشجع الجار على قتل جاره.
المحزن أن بعض أبناء هذا الوطن يدافعون عن دعاة الفتنة وشيوخ التحريض وسادة الانغلاق وتجار الحقد الطائفي والتخلف؛ ظنا منهم أنهم يدافعون عن الإسلام، فهل الإسلام دين النحر والتفجير وقتل الأطفال وترويع الآمنين؟، هؤلاء الذين سرقوا الفرح والبساطة والمحبة من قلوب الناس منذ أن كانوا أطفالا لن يعجزوا بعد أن أصبح الطريق ممهدا لهم أن يزرعوا الحقد والشر والغدر في هذه القلوب التي تم تفريغها من كل القيم الإنسانية.. لقد ذهب جيرانكم إلى المسلخ بكل حماسة.. فما هي خطتكم؟!.
المصدر: عكاظ
http://www.okaz.com.sa/new/mobile/20150530/Con20150530774612.htm