“عندما يريد الإنسان شيئاً فإن الكون كله يتضافر ليسمح له بتحقيق حلمه”. عبارة بسيطة تعتبر قطرة من بحر من الكلمات المقتبسة من أعمال الروائي البرازيلي الأشهر عالمياً “باولو كويلو”، الذي تمكن من تحقيق حلم بسيط، هو أن يصبح كاتباً على الرغم من استنكار والديه، وتوقعهما بأن كل من يمتهن الكتابة في البرازيل لن يلقى إلا الفقر، في مجتمع لا يعطي للكتَّاب ما يستحقون. وبسبب ذلك لم يصبح كاتباً إلا في عمر الأربعين. قلق والديه عليه، نظراً لانزوائه المستمر، وتفضيله القراءة على الخوض في حياة اجتماعية، وصفه أطباء نفسيون بأنه مصاب بمرض الذهان النفسي، فأودع في عدد من المصحات العقلية منذ سن السادسة عشرة، حاول الهرب منها مراراً.
يتحدث في إحدى أعماله “فيرونيكا تقرر أن تموت” عن فتاة تحاول الانتحار وعن تجربتها في مصحة عقلية، كنتاج لتجاربه الشخصية. في روايته إحدى عشر دقيقة يذكر: “الحياة هي أن تتسلق الجبال لتحاكي الرغبة في تسلق قمّة النفس، وإن لم تتوصل إلى ذلك فعليك أن تعيش قانعاً ذليلاً”.
“القرارات لا تمثل إلا البداية، فعندما يتخذ أي إنسان قراراً فإنه ينجرف في الحقيقة ضمن تيّار عنيف، يحمله نحو مصير لم يكن قد استشفه مطلقاً”. ومن ضمن تلك القرارات التي اتخذها باولو بعد خروجه من المصحة انضمامه لثورة الهيبيز الثقافية الاجتماعية، التي كانت موجة عالمية اشتهرت فترة الستينات، وتضمنت محاولات تمرد لعيش الحرية العدمية والفوضى وصاحبها استخدام المخدرات، وتجول ما بين أمريكا اللاتينية، وشمال إفريقيا، وأوروبا. وفي تلك الفترة انضم لفرقة راؤول سيكساز، الذي يعد الأب الروحي لموسيقى الروك في البرازيل، وكان يؤلف كلمات بعض الأغاني. عمل فيما بعد صحفياً وكاتباً، وتم اعتقاله وتعرّض للتعذيب من قبل المليشيا الحاكمة في البرازيل، بسبب بعض الكتابات التي تضمنت ماوصف بالخطورة والميل إلى اليسارية المغرضة.
اهتمامه بالبحث عن اللغة الكونية، وعالم اللاهوتية، والأديان، وهو ما تجلّى في روايته “الحاج” التي تتحدث عن مسيرة طويلة للبحث عن سيف مفقود استلزمته أن يقوم بالحج وزيارة أحد المزارات المسيحية، مما مدّه بتجربة روحية فريدة.
وتنبثق تلك الرواية من تجربة حقيقية لباولو كويلو في زيارته ما يسمى بمقام القديس جايمس في كومبوستيلا في إسبانيا، مما أمدّه بما هو أشبه بصحوة دينية وروحانية. ذلك الاهتمام انعكس في عدد كبير من أعماله، أشهرها رواية “الخيميائي” التي يبحث فيها راعي غنم عن حجر الفلاسفة وإكسير الحياة، والتي اندرجت ضمن موسوعة جينيس للأرقام القياسية، بسبب ترجمتها لأكبر عدد من اللغات لكاتب لا يزال على قيد الحياة. يذكر باولو في روايته “الجبل الخامس”: “كل شيء سيتم كما كتب الرب، فثمة لحظات تحدث فيها محن وبلايا في حياتنا، لا نستطيع تجنبها، ولكنها موجودة لسبب ما لا يمكننا معرفته أثناء المحن، إنما فقط عندما نتغلب عليها سنفهم لماذا كانت موجودة”.
كتاباته تمازج بين الرمزية والفلسفة مع تركيز على الجانب النفسي، هذا الجانب الذي أدّى إلى افتتان الملايين بكتاباته، التي قد تبدو بمثابة كتابة وعظية، تسببت في انتقاد النقّاد له. عبارات أشبه بكتب علم النفس، والكتب العصرية الحديثة التي تهدف إلى “التفاؤل” و”اكتشاف الذات”. “سرّ الحياة أن تسقط سبع مرّات، وتنهض ثمانية”. قد يكون ذلك نتاج تجربته في المصحة النفسية، وعدم تفهّم والديه لشخصيته. هناك نصائح بالبحث عن “القوّة الإيجابية” وعدم التفكير في الماضي والحاضر. “إن كنت تستطيع أن تعيش الحاضر دوماً فأنت إذاً رجل سعيد.”والبحث عن الأسطورة الشخصية، إذ “كلما اقتربنا من تحقيق أحلامنا، أصبحت الأسطورة الشخصية دافعاً حقيقياً للحياة”.
“أنا خجول للغاية أمام الجماهير. لكنني أحب توقيع الكتب والنظر إلى القرّاء الذين تعرّفوا إلى روحي”. على الرغم من صيته الذي ذاع، وانتشار أعماله إلا أنه لا يزال شخصاً خجولا من الداخل، لا يحبّذ خوض المقابلات الصحفية، ويفضل المشاركة في المواقع الاجتماعية والتواصل مع القرّاء مباشرة. وله الحق في ذلك، فقد أوشك عدد متابعيه في “تويتر” فقط على الوصول إلى تسعة ملايين شخص. يبرّر تمنعه عن الخوض في مقابلات صحفية بأنه لا يريد أن يشرح ما يكتب، فمن المفترض أن يكون النصّ كافياً. تظهر قناعته تلك في عبارة ذكرها في روايته “ألف” :”لا توضّح فأصدقاؤك ليسوا بحاجة إلى ذلك، وأعداؤك لن يصدقوك. “من غرائبيته نشره نسخاً مقرصنة من رواياته دون إلزامهم بمبلغ مادّي إلا بخيارهم، وذلك في محاولة هادفة لوصول رواياته إلى الجميع، وإلى الدول التي يتعذر فيها الحصول على نسخ منها.
كتاباته التي تحمل تتأمل وتمازج بين الحب والمقت، والشر والخير، والحياة والموت. إلا أنها في النهاية تبحث في أعماق النفوس البشرية، وتجد في عدد كبير منها شخصاً واعظاً يساعد في اكتشاف رحلة الحياة، ويمسك بيد البطل ويدعمه لتحقيق أحلامه، كرواية “الخيميائي” و”بريدا”. “إذا قاتل المحارب معلمه، هل في ذلك إثم؟ لا، فهي الطريقة الوحيدة لاكتساب المهارة اللازمة له”. وكأنه يتمنى ذلك الشخص الوهمي أن يوآزره في تلك الفترات الصعبة من حياته، والتي جعلت منه روائياً ناجحاً وشخصية عتيدة، بجماهير يصف الكثيرون أعماله بأنها غيّرت حياتهم. “هذا الحزن الذي قرأته في عيني جزء من حكايتي، مجرد جزء صغير سيستمر لأيام معدومة، ويوماً ما لن تكون له القوة السابقة نفسها، وسيختفي شيئاً فشيئاً. الحزن لا يدوم إلى الأبد. خاصة عندما نسير في الاتجاه الذي طالما رغبنا فيه”.
المصدر: نداء أبوعلي -الاقتصادية