كاتب سعودي
عندما لم تتخذ أوبك أي قرار بخفض الإنتاج في نوفمبر الماضي قلنا إن ذلك قرار اقتصادي وسياسي في نفس الوقت، ونعذرها في ذلك حتى تحقق هدفها بالضغط على روسيا وإيران وإخراج النفط الصخري. وبدأت سنة 2015 بتصريحات متفائلة لوزراء نفط خليجيين تشير إلى أن أسعار النفط ستعود للارتفاع بعد ستة شهور، وخروج النفط الصخري من المعادلة. وكمتابعين، بدا لنا أن سياسة الضغط على النفط الصخري بدأت تؤتي أكلها، وبدأت الأسعار تتحسن حتى لامست 70 دولاراً للبرميل. إلا أن التغير الموسمي للنفط واستمرار أوبك وروسيا في إغراق الأسواق بالنفط بدأ يأتي بنتائج عكسية في بداية الربع الثالث خصوصاً مع انتهاء موسم السفر الذي يتزامن معه انخفاض الطلب وزيادة المخزون. وقد تعزز ذلك باستمرار تراجع النمو في الصين وأوروبا وغياب اي مؤشرات لقرب انتعاشهما. فعندما تجتمع تلك العوامل، فإن عليك تقبل أسعار السوق المنخفضة. إلا أن الشيء الذي لا يمكن قبوله هو استمرار أوبك في صمت مطبق مع غياب أي تحركات جادة لخفض المعروض من النفط بالتعاون مع روسيا المتأثرة الأكبر من انخفاض النفط.
دعونا نعترف أن النفط كسلاح سياسي فشل في تركيع إيران وروسيا حتى الآن. بل إن ايران أقفلت الاتفاق النووي لصالحها، وأن روسيا بدأت تتأقلم مع سعر نفط رخيص بعد خفض الفائدة على الروبل؟ وفشل النفط ايضاً كسلاح اقتصادي بعد زيادة انتاج النفط الصخري وانخفاض تكاليفه في المتوسط إلى نحو 45 دولاراً للبرميل. ناهيك من التناقض في توجه بعض دول أوبك للاستكشاف للنفط والغاز الصخري وفي نفس الوقت يعلنون محاربته وأنه غير مجدٍ اقتصادياً. في ظل ذلك التناقض الذي أربك السوق البترولية، يبقى التساؤل هي ماذا ستفعل أوبك بعد عودة إيران للتصدير بمعدل اضافي قد يتجاوز 750 ألف برميل يومياً؟ وماذا ستفعل في اجتماعاتها القادمة وإيران التي كانت تتمتع بقدرة تفاوضية ضعيفة داخل أوبك قد استعادت جزءاً من قوتها التفاوضية. هذا هو مأزق أوبك اليوم الذي قد يؤدي بالفعل إلى انخفاض تأثيرها كلياً على السوق النفطية وقد يعلن بداية نهايتها.
لذا فمن المهم أن تعود أوبك للتعامل مع أساسيات السوق النفطية كمحرك لسياستها التسعيرية، خصوصاً وأن الدور السياسي لأوبك (المخفي) يجب أن يختفي فعلاً على أرض الواقع. فالمصالح الاقتصادية لدول أوبك هي الأساس في فرض هيمنتها في السوق النفطية، خصوصا وأن معظم دولها، وأعني السعودية قد أعلنت مراراً وتكراراً أنها لم ولن تستخدم النفط لمصالح سياسية. وهي وإن كانت قد أثبتت ذلك في عدة مناسبات بعد نهاية حقبة السبعينات، فإن عليها معاودة لعب دورها في إعادة الأسعار النفطية إلى مستوياتها السابقة عند 100 دولار للبرميل، خصوصاً وأن الاقتصاد العالمي قد تأقلم على ذلك حتى وهو في أقل مستوياته من الركود.
لقد توقعت في مقال سابق أن تعود أسعار النفط الى الارتفاع قبل نهاية العام الى حدود 90 دولاراً للبرميل اذا عادت أوبك للعب دورها الحقيقي. ويبدو أنها لاتريد فعل ذلك في المستقبل المنظور ما يعني أن عليها تحمل تبعات تراجع أسعار النفط التي لا تستطيع تحملها طويلاً. إن من المهم اليوم على أوبك وخصوصاً السعودية عودتها للتأثير من خلال أوبك، قبل أن تعود ايران الى الأسواق النفطية في منتصف العام المقبل، اذا أرادت أن تحافظ على تماسك أوبك وتماسك السوق النفطية. وبدون تفعيل الدور السعودي من خلال أوبك فقد تفلت أسعار النفط من أيدينا في وقت مازالت الفرصة سانحة لنا.
المصدر: الرياض أون لاين