كاتب سعودي
يعتقد البعض أن سوق الأسهم السعودية هو صالة “مغامرة” كبرى. إذ يتعامل البعض معه على أنه يمكن الدخول والخروج في نفس اليوم بمكاسب أو خسائر يستطيع تحملها. ويلجأ البعض للمضاربة على سهم واحد “في العادة بناء على توصية من أحد الاصدقاء أو أي من المتعاملين من دون سابق معرفة” ولفترة قصيرة، فإن واصل الارتفاع مكث فيه حتى يغفل عنه وعن الخروج منه، وإن واصل الخسائر مكث فيه حتى تفرج. هذه التصرفات تعكس تعامل الكثير جداً من صغار المتعاملين في السوق مما يوقعهم في خسائر متراكمة مع استنزاف كبير في مواردهم المالية، وهذ التصرفات تشير إلى سوء فهم لطبيعة عمل أسواق الأسهم التي تعتبر من أفضل القنوات الاستثمارية متى تم فهم واستيعاب التعامل معها.
إن التعامل الأفضل مع سوق الأسهم هو أن تقرر الدخول فيه كمستثمر بمبلغ معين يجب أن لا يتجاوز 50% من ثروتك على أن تستثمر المتبقي من ثروتك في قنوات استثمارية أخرى كتأسيس منشأة صغيرة تملك الخبرة فيها أو العقار أو أية قنوات أخرى. ويجب أن يؤخذ في الحسبان عند قرار الاستثمار في سوق الأسهم مسألة “التنويع” على أنها أهم خطوة في الدخول إلى السوق بالتنويع حسب القطاع ثم الشركة الأفضل في هذا القطاع. ثم مسألة المدة الزمنية التي يجب أن لا تقل عن ثلاث سنوات. والأفضل أن يظل المستثمر في السوق دائماً وفي كل الأوقات مع اختلاف نسبة الاستثمار بحيث تتدرج مع مراحل تباطؤ وانتعاش السوق، متدرجاً مثلاً من 30% في وقت التباطؤ والانخفاضات إلى 100% وقت الازدهار والارتفاعات، على أن يتخلل هذه الفترة إجراء عمليات نشطة مثل جني الأرباح وتغيير المراكز وفي حدود ضيقة جداً معتمداً على معلومات موثوقة تدعم عمليتي جني الأرباح وتغيير المراكز.
أنظر كيف يمكن أن يحقق المستثمر نتائج رائعة جداً مع امكانه تجنب أزمة السوق في 2006. فحسب تقرير “أرقام” عن انهيار فبراير 2006 هناك خمس شركات استثمارية حققت ارتفاعات جيدة منها جرير والمراعي والخزف وأسمنت السعودية بينما شركة واحدة مضاربية تجاوزت أزمة فبراير هي تهامة. كما أن أقل الشركات انخفاضاً هي شركات استثمارية بالدرجة الأولى “ولايوجد بينها شركة مضاربية” منها سافكو وموبايلي وأسمنت الجنوبية. هذا مع أن التقرير أغفل الأرباح الموزعة من تلك الشركات، وأغفل تحركات المستثمر في حال جني الأرباح وتغيير المراكز لتعظيم عوائده، كما أغفل التقرير زيادة رؤوس أموال ونمو أصول تلك الشركات خلا فترة الثماني سنوات، مما يجعل العوائد أكبر بكثير مما وضح التقرير من مجرد ارتفاع في أسعار أسهم تلك الشركات فقط.
فلو أن أحد المستثمرين امتلك في محفظته على سبيل المثال جرير، المراعي، أسمنت الجنوبية، سافكو، والخزف فإنه بلاشك ينعم الآن بعوائد قوية على استثماراته مستفيداً من الأرباح الموزعة، ورفع رؤوس الأموال مثل منح الأسهم، وارتفاع أصولها مستفيدة بالدرجة الأولى من النمو الذي حصل في الاقتصاد السعودي خلال السنوات الثماني الماضية التي كانت في مجملها سنوات نمو ذهبية. ناهيك عن أن سوق الأسهم السعودية قد شهدت خلال فترة الثماني سنوات الماضية طرح العديد من الشركات الممتازة وخصوصاً في قطاع التجزئة وغيره من القطاعات المعتمدة على سوقنا المحلي مثل شركة هرفي واكسترا والتموين ودلة وأسمنت نجران والشمالية وغيرها من الشركات الجيدة. وهذه الشركات شكلت فرص استثمار ذهبية تحتاج فقط الى أن تتعامل معها على انها أصول جيدة يجب الاحتفاظ بها لفترات طويلة.
إن مايسبب الخسائر الفادحة في سوق الأسهم هو التنقل من سهم إلى آخر بشكل يومي أو حتى بشكل شهري، وكذلك الدخول والخروج الكامل من السوق بصورة عشوائية بناء على تصويات تخويفية أو ترغيبية مما يشكل استنزافاً حاداً لرأس المال المستثمر بسبب هذه التخبطات. إن على المستثمر أن يفهم في النهاية أن السوق يعطي مؤشراً جيداً لحالة مستقبل الاقتصاد بستة أشهر على الأقل وهي الفترة التي تعطي أي مستثمر القدرة في التصرف بسهولة وأناة وتعقل في تغيير مراكزه حسب توجه الاقتصاد والقاطاعات الاقتصادية فيه مع قدرته على جني أرباح أو تعزيز المراكز في القطاعات والشركات التي ستستفيد من التغيرات المستقبلية للنمو الاقتصادي.